في تصعيد خطير يهدد الجهود المبذولة لإرساء الاستقرار في شمال وشمال شرق سوريا، أعلنت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع اليوم الأربعاء 9 تشرين الأول، أن ميليشيا “قسد” خرقت بشكل متكرر الاتفاق الموقع مع الحكومة السورية بشأن وقف شامل لإطلاق النار، ما أدى إلى استشهاد جندي وإصابة آخرين من عناصر الجيش العربي السوري في محاور شرقي حلب.
وأكدت الإدارة في تصريحها أن “قسد” ارتكبت أكثر من عشرة خروقات خلال أقل من 48 ساعة من إعلان الاتفاق، حيث استهدفت مواقع الجيش العربي السوري في مناطق الانتشار شرقي حلب، وخصوصاً في محيط سد تشرين، مستخدمةً الأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون، بالتزامن مع استمرارها في عمليات التحصين والتدشيم بكافة المحاور، في مؤشر واضح على نيتها التصعيد ونسف أي جهود للتهدئة.
وأوضحت إدارة الإعلام والاتصال أن وحدات الرصد في الجيش السوري وثقت تحركات عدائية ومكالمات تحريضية صادرة عن قيادات ميدانية في “قسد”، تحث على تنفيذ أعمال تستهدف مواقع الجيش وقوى الأمن في مدينة حلب، مشيرة إلى أن هذه الخروقات تأتي رغم التزام الجيش الكامل بوقف إطلاق النار وإعطاء فرصة للحوار السياسي.
وكان وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة قد أعلن قبل يومين، عن التوصل إلى اتفاق رسمي مع قائد ميليشيا “قسد” مظلوم عبدي في العاصمة دمشق، يقضي بوقف فوري وشامل لإطلاق النار على جميع الجبهات في شمال وشمال شرقي البلاد. وجرى توقيع الاتفاق بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، وقائد القيادة المركزية الأمريكية براد كوبر، في إطار مساعٍ دولية لإعادة الهدوء إلى المنطقة بعد أسابيع من التوتر والاشتباكات.
وبحسب وزارة الدفاع، جاء الاتفاق نتيجة وساطة مكثفة أعقبت تصعيداً عسكرياً خطيراً من قبل “قسد” تجاه القوات الحكومية والأحياء المدنية في حلب، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من عناصر الأمن الداخلي والمدنيين. وأكدت الوزارة أن الحكومة السورية تعاملت حينها بأقصى درجات ضبط النفس، حرصاً على تجنيب المدنيين ويلات المواجهة العسكرية.
مصادر عسكرية مطلعة أوضحت أن استمرار “قسد” في خرق الاتفاق، رغم التعهدات التي قدمتها أمام الوسطاء الدوليين، يشير إلى وجود نية مبيتة لفرض أمر واقع في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تصاعد الخلافات الداخلية في صفوفها، وتزايد التململ الشعبي في المناطق الخاضعة لها نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وغياب الخدمات.
وأضافت المصادر أن الجيش العربي السوري يراقب الموقف بدقة، ويحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب على أي اعتداء يستهدف نقاطه أو حياة جنوده، مؤكدة أن القيادة العسكرية لا يمكن أن تسمح بتحويل الاتفاقات إلى غطاء لعمليات استفزازية أو خروقات متكررة من قبل أي طرف.
وفي سياق متصل، شددت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع على أن الدولة السورية ماضية في تنفيذ بنود الاتفاق الموقع في 10 آذار الماضي بين الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، والذي نص على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للميليشيا ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
ويرى مراقبون أن الخروقات الأخيرة تمثل محاولة من “قسد” للالتفاف على ذلك الاتفاق التاريخي، خاصة في ظل ازدياد الضغوط الشعبية داخل مناطق سيطرتها، وخشيتها من فقدان الامتيازات التي كانت تتمتع بها خلال السنوات الماضية.
كما اعتبر محللون سياسيون أن هذه التطورات قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة التحالفات في الشمال السوري، خصوصاً مع تنامي التنسيق بين الجيش السوري والقوات الروسية في مواجهة التحديات الأمنية، وتراجع الثقة بالوعود الأمريكية التي لم تثمر عن حلول سياسية حقيقية أو دعم تنموي للمناطق المتضررة من الحرب.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الجيش العربي السوري يعزز من وجوده في عدة محاور شرقي حلب ومحيط سد تشرين، تحسباً لأي تصعيد جديد، فيما تواصل وحدات المراقبة التابعة للأمم المتحدة رصد التطورات على الأرض، وسط تحذيرات من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل إذا استمرت “قسد” في ممارساتها العدائية.
في المقابل، تلتزم الحكومة السورية بالمسار الدبلوماسي وتؤكد حرصها على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع انفصالية، داعية المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغط فعلي على “قسد” للالتزام بالاتفاقات الموقعة ووقف استهداف الجيش والمدنيين على حد سواء.
وتبقى الأنظار متجهة إلى الأيام المقبلة لمعرفة ما إذا كانت “قسد” ستعود إلى الالتزام ببنود الاتفاق وتجنب التصعيد، أم أن المنطقة ستشهد جولة جديدة من المواجهات قد تُفشل جهود التهدئة وتزيد من تعقيد المشهد الميداني والسياسي في شمال سوريا.