في خطوة إدارية وصفت بالجذرية، أعلن رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السوري، أشهد الصليبي، عن مجموعة من الخطط الطموحة لتطوير قطاع الطيران المدني في سوريا، تضمنت إنشاء مطارات جديدة وتوسيع الأسطول الجوي، في محاولة لتعافي قطاع كان من أكثر القطاعات تضررًا خلال سنوات الأزمة التي عصفت بالبلاد.
إلا أن هذا الإعلان جاء مصحوبًا بتغيير إداري هام، إذ تم استبدال اسم "مؤسسة الطيران" بــ"الهيئة العامة للطيران المدني" مع تبعية مباشرة لرئاسة الجمهورية، ما أثار جدلاً واسعًا وتساؤلات حول مستقبل استقلالية الهيئة وحياديتها.
إعادة الهيكلة وتغيير التبعية ما وراء الأسماء
في لقاء حصري مع القناة الإخبارية السورية، أوضح أشهد الصليبي أن الهدف من هذه الخطوة يتمثل في "تفعيل الرقابة وتحسين الأداء الإداري" للهيئة، مؤكدًا أن التبعية المباشرة لرئاسة الجمهورية ستسرع من اتخاذ القرارات وتنسجم مع خطة تطوير شاملة لقطاع الطيران.
لكن من الناحية العملية، فإن هذه التبعية تختلف جذريًا عن النماذج التقليدية التي تعتمدها معظم الدول، حيث تُدار هيئات الطيران المدني عادةً ضمن إطار وزاري، غالبًا وزارة النقل أو جهة مستقلة ذات صلاحيات واضحة وإدارة فنية متخصصة. وتأسيسًا على ذلك، تخشى العديد من الخبرات المحلية والدولية أن يُضعف هذا التغيير استقلالية الهيئة، ويعرضها لضغوط سياسية قد تؤثر على معايير السلامة وجودة الخدمات، بالإضافة إلى الشفافية في القرارات الإدارية.
الطيران المدني استقلالية ضرورية أم تبعية سياسية
يُعتبر قطاع الطيران المدني من القطاعات التي تستوجب أعلى درجات الحيادية والمهنية، لما يتعلق بها من سلامة الطيران، ومراقبة الحركة الجوية، ومنح التراخيص، والالتزام بالمعايير الدولية التي تنظم هذه العمليات. وغياب الاستقلالية يؤدي غالبًا إلى صراعات إدارية، وتأخير في اتخاذ القرارات التقنية، وانخفاض الثقة الدولية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على فرص سوريا في استعادة ثقة شركات الطيران العالمية وشركاء الطيران.
اعتماد الهيئة على رئاسة الجمهورية مباشرة يثير مخاوف من تدخلات سياسية في عمليات فنية وإدارية دقيقة، مثل تقييم سلامة الطائرات، التعاقدات، أو حتى منح التراخيص، إذ تصبح القرارات عرضة للتأثر بالمواقف السياسية، وهذا ما يخالف معايير منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو"، التي تشدد على استقلالية الهيئات المعنية.
الطموحات مطارات جديدة وأساطيل متجددة
رغم هذه المخاوف، تبقى الخطط التي كشف عنها الصليبي واعدة، إذ تسعى الحكومة إلى إنشاء مطارات مدنية جديدة في مناطق عدة، واستحداث خدمات جديدة ضمن البنية التحتية للنقل الجوي. كما تعمل على توسيع وتحديث الأسطول الجوي السوري، ما يشكل مؤشرًا مهمًا على رغبة الدولة في إعادة بناء قطاع الطيران وتعزيز قدراته بما يتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة.
ومن المتوقع أن تدعم هذه الخطط تحركًا اقتصاديًا مهمًا، وتحسنًا في حركة التنقل الجوي داخليًا وخارجيًا، لكن نجاحها يبقى مرتبطًا بشكل وثيق بمدى قدرة الهيئة على تحقيق استقلالية فنية ومالية، وتطبيق معايير السلامة دون تدخلات سياسية.
التحديات والفرص في زمن إعادة الإعمار
في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها سوريا، فإن إعادة بناء قطاع الطيران يشكل تحديًا كبيرًا، خصوصًا مع التحديات الأمنية والاقتصادية المفروضة. لكن في الوقت ذاته، فإن تطوير هذا القطاع هو بوابة ضرورية لتعزيز الاقتصاد الوطني وربط البلاد بالعالم الخارجي.
ولذلك، لا يمكن إغفال أهمية وجود هيئة طيران مدني مستقلة ومتخصصة، تعمل ضمن إطار قانوني واضح، وتخضع للرقابة المهنية بعيدًا عن الضغوط السياسية، لضمان تنفيذ الخطط الطموحة وتحقيق معايير السلامة العالمية.
الخلاصة بين الطموح والمخاوف
يبقى السؤال الأكبر مطروحًا: هل ستنجح هذه التعديلات الإدارية التي تضع الهيئة تحت تبعية مباشرة لرئاسة الجمهورية في تحقيق تطوير حقيقي وشفافية في قطاع الطيران المدني السوري؟ أم أنها ستقيد استقلالية الهيئة وتزيد من التحديات التي يواجهها القطاع؟
الإجابة على هذا السؤال ستكون مفتاحًا لمستقبل الطيران المدني في سوريا، ولثقة المجتمع الدولي في قدرة البلاد على توفير بيئة طيران آمنة وفعالة. وبين الطموحات الكبيرة والمخاوف المشروعة، يقف قطاع الطيران السوري على مفترق طرق مصيري.