في تطور دبلوماسي غير مسبوق منذ سنوات القطيعة، أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الأميركي ماركو روبيو، تناول جملة من الملفات المعقدة على رأسها العقوبات الأميركية، الأسلحة الكيميائية، النفوذ الإيراني، مكافحة داعش، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في سوريا.
ووفق مصادر دبلوماسية مطلعة، عبّر وزير الخارجية الأميركي خلال الاتصال عن رغبة واشنطن بإعادة فتح سفارتها في دمشق، في خطوة رمزية قد تمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين بعد أكثر من عقد من الانقطاع.
الوزير روبيو، الذي يقود مؤخرًا مسارًا جديدًا في السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وجّه دعوة رسمية لنظيره السوري أسعد الشيباني لزيارة واشنطن خلال الأسابيع المقبلة، وهي الدعوة التي لقيت ترحيبًا مبدئيًا من دمشق، مع التأكيد على أهمية توفير بيئة سياسية واقتصادية ملائمة لإنجاح أي تحرك دبلوماسي جاد.
وفيما يتعلق بالعقوبات الأميركية المفروضة على دمشق، شدد الوزير الشيباني على أن “قانون قيصر” يشكل العائق الأكبر أمام جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار طويلة الأمد في سوريا، مطالبًا واشنطن بخطوات عملية لرفع القيود الاقتصادية التي أثقلت كاهل الشعب السوري. من جانبه، أكد الوزير الأميركي أنه سيعمل بالتنسيق مع الكونغرس على إلغاء قانون قيصر خلال الأشهر القليلة المقبلة، ضمن خطة مراجعة شاملة للعقوبات المفروضة على سوريا.
كما تم الاتفاق خلال المكالمة الهاتفية على إنشاء لجنة تنسيق مشتركة بين البلدين لمتابعة ملف الأسلحة الكيميائية، في إطار الجهود لإغلاق هذا الملف المثير للجدل دوليًا، وتعزيز التعاون الفني والرقابي وفق المعايير الدولية.
وفي سياق متصل، أبدت دمشق قلقها المتزايد من استمرار محاولات إيران التأثير في موازين القوى داخل سوريا، مشيرة إلى أن بعض التصرفات الفردية لمجموعات تابعة لطهران “تتعارض مع السيادة السورية وتضر باستقرار البلاد”. بدورها، حذرت واشنطن من أن النفوذ الإيراني في سوريا لا يزال يمثل تهديدًا استراتيجيًا للمنطقة بأكملها، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها طهران حاليًا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
وتطرق الاتصال إلى الوضع الأمني شرق سوريا، حيث أكد الطرفان أن تنظيم داعش لا يزال يمثل تهديدًا فعليًا، خاصة في البادية السورية وبعض المناطق الحدودية، ما يستدعي تنسيقًا أمنيًا دوليًا لمكافحة فلول التنظيم وضمان عدم عودته.
وفي جانب آخر، طالبت دمشق الجانب الأميركي بالعمل على إعادة إحياء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 في الجولان المحتل، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، التي وصفتها بأنها “تمس بالسيادة السورية وتهدد الاستقرار الإقليمي”.
واختتم الاتصال برسالة متبادلة تؤكد أن الحل السياسي في سوريا لن يتحقق دون انخراط دولي مسؤول، وحذرت واشنطن في هذا السياق من أن استمرار الانقسام أو أي محاولات لتقسيم البلاد قد يعيد سوريا إلى أتون الحرب الأهلية.
وتُعد هذه المكالمة الهاتفية الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وتفتح الباب أمام مسار دبلوماسي جديد يُمكن أن يعيد ضبط العلاقة المتوترة بين دمشق وواشنطن على أسس سياسية واضحة، بعيدًا عن منطق العقوبات والعزلة.