سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار.. خطوات استراتيجية نحو تعافي الاقتصاد الوطني

في ظل التحديات الاقتصادية العميقة التي مرّت بها سوريا خلال السنوات الماضية، تبرز اليوم إشارات إيجابية نحو التعافي التدريجي، تُترجمها الخطوات المتسارعة التي تتخذها المؤسسات الرسمية لإحياء القطاعات الإنتاجية وتعزيز دورها التنموي، وفي مقدمتها هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، التي باتت تشكّل رافعة حقيقية في مسيرة دعم الاقتصاد الوطني.

سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار

ضمن هذا السياق، أكّد مدير عام الهيئة، الدكتور فراس الغفير، في تصريحات خاصة لـ”سرت الإخبارية”، أن الجهود تتجه حالياً إلى تحفيز الإنتاج المحلي وخلق فرص تصديرية واعدة له، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن التصدير يُعد أحد أهم مصادر القطع الأجنبي، لا سيما بالنسبة للمنتجات التي تمتلك فيها سوريا ميزة تنافسية عالية.

وأوضح الدكتور الغفير أن الهيئة تركز عملها على ثلاثة محاور رئيسية: دعم وتعزيز الصادرات، تشجيع الاستثمار، وتنمية وتطوير الإنتاج المحلي، وذلك بالتنسيق الكامل مع الوزارات المعنية واتحادات الغرف والهيئات الاقتصادية، بما يتوافق مع أهداف خطة التعافي الاقتصادي والنهضة الصناعية في سوريا.

وتتجلى هذه الخطوات ضمن إطار إستراتيجية وطنية متكاملة، تهدف إلى إعادة بناء المؤسسات الإنتاجية التي تضررت خلال الحرب، وتحديث بنيتها التحتية، وفتح قنوات جديدة للترويج للمنتج السوري، سواء داخل البلاد أو في الأسواق الخارجية.

ويؤكد الغفير أن الهيئة تعمل بالتعاون مع وزارة الاقتصاد على تطوير التشريعات الناظمة للعمل التصديري والإنتاجي، بهدف إزالة العقبات التي تواجه المستثمرين والمصدرين، وتسهيل إجراءاتهم وتحفيزهم على الانخراط بشكل أوسع في سوق التصدير.

وأضاف: “نحن في مرحلة حرجة تتطلب جهداً وطنياً مضاعفاً لإعادة إحياء منظومة الإنتاج، وخلق بيئة اقتصادية تشجع على الاستثمار وتحقق التنمية المستدامة. سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار، وهذه ليست شعارات بل سياسات بدأت تتحول إلى واقع ملموس”.

وأشار إلى أن الهيئة تدعم نشاطات اتحادات الصناعة والتجارة والزراعة والحرفيين، من خلال برامج مخصصة لتعزيز قدرتهم على تصدير منتجاتهم، والمشاركة في المعارض الدولية، مشيراً إلى وجود صناعات سورية تمتلك مقومات عالمية كالصناعات الغذائية والنسيجية.

ولم تُغفل الهيئة أهمية الجانب التسويقي، حيث تعمل على إقامة حملات ترويجية، وتنظيم مؤتمرات وندوات ومعارض، بالإضافة إلى إصدار نشرات دورية عن أنظمة التجارة السورية والعالمية، لتعزيز تواجد المنتج السوري في الأسواق العالمية.

المعارض بوابة للتوسع التصديري

من أبرز أدوات الترويج التي تعتمدها الهيئة، تأتي المعارض المتخصصة التي تُعتبر منصات استراتيجية لتسويق المنتجات المحلية، وجذب المستثمرين، وبناء شراكات اقتصادية دولية. ولكن بحسب الغفير، فإن هناك عائقاً حقيقياً يتمثل في نقص التمويل الكافي لتنظيم هذه المعارض أو المشاركة فيها خارجياً.

وللتغلب على هذا العائق، بيّن أن الهيئة تسعى جاهدة لإعادة تفعيل “صندوق دعم الصادرات”، المتوقف منذ سنوات، كونه الجهة الممولة للمشاركة في الفعاليات الدولية، وقال: “نحن بحاجة ماسة إلى إعادة الحياة لهذا الصندوق لكي نتمكن من تقديم الدعم اللازم لشركاتنا الوطنية”.

كما كشف عن وجود مباحثات متقدمة لإقامة معرض ضخم للمنتجات السورية في المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، مشيراً إلى أن مثل هذه الفرص تحتاج إلى تمويل كبير لتغطية تكاليف الشحن والإقامة وأجور الأجنحة، وهو ما تعمل الهيئة حالياً على تأمينه.

وأكد الغفير أن الصناعات الغذائية السورية، وخاصة زيت الزيتون، تمثّل أولوية إستراتيجية في السياسة التصديرية، مشيراً إلى أن الهيئة تدعم تصدير هذا المنتج بنسبة 7% لما له من سمعة عالمية ممتازة، ومكانة خاصة في الأسواق الدولية.

حلول عملية لتجاوز المعوقات

ومن أبرز ما تسعى الهيئة إلى تحقيقه أيضاً، هو تفعيل “مكتب التدخل السريع”، وهي وحدة جديدة ضمن هيكليتها الإدارية، سيكون من مهامها حل المشكلات الطارئة التي تعترض عمليات التصدير والإنتاج، مثل مشاكل الشحن والتراخيص والعقود الدولية.

ويأتي هذا التوجه ضمن مساعي الهيئة لتكون حلقة الوصل الحقيقية بين المنتج والمستهلك الخارجي، وبين المستثمر وجهات الدولة، وتلعب دوراً محورياً في تسهيل العمليات التجارية، وتحفيز رؤوس الأموال السورية والعربية والأجنبية على العودة إلى السوق السوري.

ويقول الغفير: “إن شعارنا اليوم هو: سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار. نحن لا نقف عند حدود النظريات، بل ننتقل إلى التطبيق العملي عبر حزمة متكاملة من التشريعات والحوافز والبرامج التي تصب جميعها في مصلحة المنتج والمستثمر على حد سواء”.

التشجع على الاستثمار بين الرؤية الاستراتيجية والتنفيذ العملي

يُعد الدعم الحكومي للإنتاج المحلي والتصدير ركيزة أساسية في بناء اقتصاد سوري مرن وقادر على المنافسة، ويؤكد الدكتور فراس الغفير، مدير عام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، أن هناك إرادة سياسية واضحة لتحويل شعار “سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار” إلى واقع فعلي عبر تبني سياسات مرنة وحوافز قوية تتلاءم مع التحديات الحالية.

وقد وضعت الهيئة ضمن خطتها للعام الجاري مجموعة من المشاريع النوعية، من بينها إطلاق برامج تدريبية موجهة للكوادر الفنية والإدارية في قطاع التصدير، وتأسيس مراكز لوجستية متطورة في المناطق الصناعية لتسهيل عمليات الشحن والتوزيع، بالإضافة إلى تطوير نظام إلكتروني متكامل لتسجيل الشركات المصدّرة ومتابعة أدائها.

كما تدرس الهيئة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد اعتماد نظام نقاط للمصدّرين يتيح منح امتيازات وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركات النشطة في التصدير، وذلك في إطار خطة أشمل لتحفيز القطاع الخاص ودفعه نحو الأسواق الخارجية.

دور نوعي في إعادة الإعمار

وفي سياق متصل، يؤكد الدكتور الغفير أن دعم الإنتاج المحلي ليس فقط هدفاً اقتصادياً، بل هو أيضاً جزء من مشروع إعادة إعمار سوريا بشكل متكامل، إذ تسهم تنمية الصناعات الوطنية في خلق فرص عمل، وتوطين التكنولوجيا، وتحسين مستوى المعيشة، وتقليص الاعتماد على الواردات.

وأشار إلى أن الهيئة تلعب دوراً محورياً في تأهيل العديد من المنشآت الإنتاجية التي تضررت خلال الحرب، من خلال برامج دعم فني وتمويلي، وتقديم استشارات تصديرية، وفتح قنوات تواصل مع الجهات المانحة والمؤسسات التنموية التي تدعم المشاريع الاقتصادية في الدول الخارجة من النزاعات.

ووفق الخطة الحالية، ستُخصص الهيئة جزءاً من ميزانيتها لدعم المناطق الصناعية في حلب ودمشق وحمص وريف اللاذقية، إضافة إلى مناطق جديدة في الجنوب السوري، بهدف توسيع القاعدة الإنتاجية ودمجها بمنظومة التصدير بشكل أكثر فاعلية.

الزراعة والصناعات التحويلية في قلب الأولويات

ولم تغفل الهيئة عن الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المنتجات الزراعية في دعم الميزان التجاري لسوريا، خاصة مع توافر فائض كبير في بعض المنتجات كزيت الزيتون والحمضيات والخضار الموسمية. ولهذا، تعمل الهيئة على دعم هذه المنتجات بشتى الوسائل الممكنة، من خلال برامج دعم الشحن، والتغليف، والتحليل المخبري، لضمان الجودة والمعايير الدولية.

كما أن هناك خطة لدعم الصناعات التحويلية المرتبطة بالقطاع الزراعي، كصناعات التجفيف والتعليب والعصائر والمربيات والزيوت، إذ تملك سوريا بنية تحتية مناسبة لهذه الصناعات، وتاريخاً عريقاً في تصنيع الأغذية بجودة منافسة.

نحو استعادة مكانة “صنع في سوريا”

ويؤكد الدكتور الغفير أن هناك توجهاً شاملاً نحو استعادة مكانة شعار “صنع في سوريا”، الذي كان يحظى بسمعة ممتازة في الأسواق العربية والدولية، قائلاً: “نريد أن نُعيد الثقة بهذا الشعار، وأن يكون لكل مواطن سوري دور في هذا المشروع، سواء كان منتجاً أو مستهلكاً أو مسؤولاً”.

وفي سبيل ذلك، تعمل الهيئة على تنظيم حملة وطنية للترويج للمنتج المحلي، تشارك فيها وزارات الإعلام والاقتصاد والصناعة، إضافة إلى الغرف التجارية والصناعية، وستُطلق عبر وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية خلال الشهور القادمة.

دور المستثمر السوري في الخارج

وتسعى الهيئة أيضاً إلى إعادة جذب المستثمرين السوريين في الخارج، عبر تقديم حوافز استثمارية خاصة لهم، تشمل إعفاءات ضريبية، وتسهيلات في تسجيل الشركات، ودعماً لوجستياً في مشاريعهم داخل سوريا. كما تعمل الهيئة مع وزارة الخارجية والمغتربين على تنظيم مؤتمر للمستثمرين السوريين في الخارج، من المقرر عقده نهاية هذا العام.

ويقول الغفير إن العديد من المستثمرين في الخليج وأوروبا أبدوا اهتمامهم بالعودة إلى السوق السوري، لكنهم ينتظرون إشارات واضحة تعكس استقرار البيئة الاقتصادية، وشفافية القوانين، واستمرار الدعم الحكومي، وهو ما تعمل الحكومة حالياً على تحقيقه عبر سلسلة من الإصلاحات القانونية والإدارية.

الطريق لا يزال طويلاً… ولكن

إن نجاح سوريا في إعادة بناء اقتصادها الوطني يعتمد بشكل كبير على مدى قدرتها على دعم المنتج المحلي وتشجيع الاستثمار، وهي مهمة شاقة ولكنها ليست مستحيلة. فمع وجود هيئة فاعلة كهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، ورؤية حكومية واضحة، وإرادة مجتمعية للعمل، فإن المؤشرات تبعث على الأمل.

ويظل التحدي الأكبر هو الاستمرارية في التنفيذ، ومواكبة التغيّرات الإقليمية والدولية، وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية، يلمس نتائجها كل مواطن سوري. إن شعار “سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار” لم يعد مجرد عنوان إعلامي، بل أصبح مساراً وطنياً تعكف عليه مؤسسات الدولة بكامل طاقتها، لإعادة بناء اقتصاد يليق بتاريخ سوريا وحضارتها، ويضمن مستقبل أبنائها في الداخل والخارج.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-