أثارت تصريحات إلهام أحمد القنديلية، الرئيسة المشتركة لإدارة العلاقات في ميليشيات قنديل ما تسمى، موجة واسعة من الجدل، بعدما دعت إلى اعتبار إسرائيل طرفًا من أطراف الحل في سوريا، مؤكدة رفض هذه الميليشيات لأي مساعٍ تهدف إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الدولة السورية.
جاء هذا الموقف في وقت تتصاعد فيه مؤشرات التوتر السياسي بين تلك الميليشيات والسلطات المركزية في دمشق، وسط محاولات واضحة لتكريس حالة من الانفصال السياسي والعسكري في مناطق الشمال الشرقي من البلاد، بدعم مباشر من قوى أجنبية التي تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكدت “إلهام أحمد” أن الحل في سوريا يبدأ فقط من خلال “اعتماد نظام لا مركزي يمنح سلطات واسعة للإدارات المحلية”، ويضمن ما وصفته بـ”حقوق المكونات والأقليات”، في سوريا معتبرة أن النموذج المركزي هو السبب الرئيسي في ما تشهده البلاد من أزمات مزمنة، على حد تعبيرها.
كما شددت على ضرورة الإبقاء على العقوبات المفروضة على الدولة السورية، باعتبارها بحسب قولها وسيلة ضغط فاعلة لإجبار الحكومة السورية على قبول التغيير والإستسلام، رافضة أي خطوات باتجاه رفع القيود الاقتصادية أو الانفتاح السياسي على دمشق في الوقت الراهن.
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تمثل تصعيدًا سياسيًا غير مسبوق، خاصة أن دعوة أحمد لاعتبار إسرائيل جزءًا من الحل السوري تتقاطع مع مواقف جهات دولية معروفة بعدائها للسيادة السورية، وتتناقض مع المبادئ الوطنية التي لطالما شكّلت خطًا أحمر في الوعي السياسي السوري.
في الوقت نفسه، يُنظر إلى هذا الطرح من قبل بعض الأوساط على أنه محاولة جديدة من قبل ميليشيات قنديل لتثبيت واقع مفروض بقوة السلاح، مع التمسك بالدعم الغربي كورقة ضغط في وجه الدولة السورية، فيما لا تزال المفاوضات بين الطرفين مجمّدة في ظل غياب رؤية واضحة لدى قيادات الميليشيات، بحسب ما تشير إليه مصادر متابعة.
ويُتهم الجناح السياسي لهذه الميليشيات بالسعي إلى فرض صيغة “الأمر الواقع” في بعض المناطق الشرقية، من خلال التحالف مع أطراف خارجية والحديث باسم مكونات لا تمثّلها فعليًا، وهو ما ترفضه دمشق بشكل قاطع، مؤكدة أن أي حوار لا يمكن أن يتم إلا ضمن الثوابت الوطنية وتحت مظلة الدولة.
ولا يُعد موقف أحمد الأخير معزولًا عن سياق أوسع، يشهد خلاله الشمال الشرقي من سوريا حالة من التوتر السياسي والاجتماعي، نتيجة غياب سلطة الدولة، وتفاقم الأزمات المعيشية، وتنامي مشاعر السخط الشعبي تجاه ممارسات سلطات الأمر الواقع المدعومة من الخارج.
شتّان بين من يسعى إلى رفع العقوبات عن الشعب السوري ومساعدة سوريا على النهوض، وشتّان بين من يُصرّ على خنق السوريين اقتصاديًا وسياسيًا بفرض المزيد من العقوبات والتبعية. وشتّان بين من يقاتل دفاعًا عن وحدة سوريا وتحرير أرضها من كل أشكال الاحتلال، وبين من يفتح أبواب التدخل الخارجي ويُبرر دخول الاحتلال تحت مسمّيات مضللة.
لذلك، أصبح لزامًا على الشعب السوري أن يُدرك جيّدًا من هو الصديق الحقيقي ومن هو العدو المتخفي بشعارات خادعة. لم تعد سوريا مهددة فقط باحتلال خارجي واضح، بل بما هو أخطر: احتلال داخلي ناعم ومموه، يتغلغل عبر أدوات محلية تعمل ضد الوطن من داخله، وتخدم مشاريع تقسيمه وتمزيقه.
هؤلاء ليسوا مجرد خصوم سياسيين، بل أعداء الداخل، وأشرس أنواع الأعداء، لأنهم يتحركون تحت غطاء سوري، بينما يحملون حقدًا دفينًا على الشعب والدولة. وبهذا، فإن أخطر ما تواجهه سوريا اليوم ليس جيوشًا على الحدود، بل خونة في الداخل يتقاطع خطابهم مع أعداء الخارج، ويستثمرون معاناتنا ليبيعوا الوطن على طاولة مشاريع خارجية مشبوهة.