في ظل الأحداث التي تشهدها محافظة السويداء منذ أيام، تُطرح اليوم أسئلة حاسمة حول من يتحمل مسؤولية تفكك هذه المحافظة الاستراتيجية وخروجها عن سلطة الدولة المركزية بشكل شبه كامل. هل هي الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع؟ أم أبناء العشائر والمجموعات المحلية؟ أم أن السبب الأكبر يكمن في التدخل الدولي المباشر وغير المباشر مثل الإحتلال الإسرائيلي، ولا يُخفي دعمه للانقسام الداخلي في سوريا.
الحكومة السورية إخفاق في احتواء الأزمة
منذ بداية الاضطرابات في محافظة السويداء، كانت موقف الحكومة السورية بنوع من التردد والحذر المفرط، وخاصة في ظل خصوصية الطيف الطائفي والاجتماعي في المحافظة. وفي حين كانت هناك دعوات صريحة من فعاليات وطنية داخل المحافظة لعودة مؤسسات الدولة بقوة، فإن الحكومة السورية لم تستثمر تلك اللحظة لصالحها.
الرئيس أحمد الشرع وحكومته اتبعوا سياسة “التحكم من بعيد”، دون اتخاذ خطوات حقيقية وحاسمة على الأرض. فالوعد بإعادة انتشار الأجهزة الأمنية لم يُستكمل بشكل منظم، والخدمات غابت عن المحافظة في أكثر من قطاع حيوي، ما عزز شعور الأهالي بالتهميش، وترك فراغًا ملأته جماعات محلية خارجة عن القانون مثل عصابات ميليشيا الهجري وغيره من الخارجين عن القانون.
أضف إلى ذلك، أن الخطاب الرسمي للدولة افتقر لفترة طويلة إلى رسائل حازمة أو مبادرات مباشرة تتعامل مع خصوصية التركيبة الاجتماعية والسياسية في السويداء. كما أن الحكومة سمحت، ولو بشكل غير مباشر، بظهور الفصائل المسلحة التي تحولت لاحقاً إلى مراكز نفوذ محلية تنافس الدولة في سلطتها على المحافظة.
أبناء العشائر انقسام وتشتت في القرار
في المقابل، فإن أبناء العشائر السورية، خاصة في الأطراف الجنوبية الشرقية من السويداء، لم يتوحدوا على موقف واضح. فقد انقسموا بين موالين للدولة وآخرين يسيرون خلف شعارات مناطقية، أو يخضعون لتحريض مجموعات درزية مسلحة. غابت القيادة الموحدة للعشائر، وبرزت النزعة الفردية أو المناطقية في التعامل مع المستجدات.
فا بعض من أبناء العشائر اتخذ موقفاً مشرفاً ودعا لعودة الدولة ورفع الغطاء عن المسلحين والمجرمين، إلا أن هذا الصوت لم يحظَ بدعم واسع بسبب غياب الثقة المتبادلة والفراغ السياسي الذي تركته الحكومة. كما أن العشائر لم تستطع تنظيم قوة دفاع ذات طابع وطني تكون بديلاً عن الفصائل اخرى، فظلوا رهائن للقرارات الفردية أو الولاءات القبلية وهذا ما ادى إلى فشل خطيتهم وهي تحرير جميع المحافظات السورية.
وبل أصبحوا مادة للصخرية من بعض ابواق ميليشيا قسد وفلول النظام والمحور الشر الإيراني، لا يخفي على أحد كمية الأعداء للشعب السوري. الكل يتربص في هذا الشعب الذي ما خرج إلا للحرية وللعدالة وكان الشعارات دائيمن هو "الموت لا المزلة".
الإيجابيات والسلبيات في قرارات الحكومة والعشائر
من جانب الحكومة:
- إيجابيات: تجنبت الدولة الدخول في صدامات دموية مباشرة مع الإحتلال الإسرائيلي كان من الممكن أن تؤدي إلى فوضى واسعة.
- سلبيات: هذا الحذر تحوّل إلى تقاعس، ما مكّن الميليشيات من بسط سلطتها، وسمح بتغذية الشعور بالاستقلالية عند بعض المكونات في المحافظة وهذا ما أعطائهم شعور الانتصار على الدولة وهذا يعني أنهم ممكن يستقلوا ويتمتعوا بحكم ذاتي شبيه بميليشيا قسد شرق الفرات.
من جانب العشائر:
- إيجابيات: وقوف بعض وجهاء العشائر ضد الفتنة الطائفية، ورفضهم المطلق للتمرد على الدولة.
- سلبيات: غياب التنسيق الكامل والانجرار وراء الشعارات فقط.
لا يمكن الحديث عن واقع السويداء دون الإشارة إلى العامل الخارجي، الذي لعب دورًا جوهريًا في تعميق الأزمة. الاحتلال الإسرائيلي، منذ البداية، سعى لفصل الجنوب السوري عن مركز القرار في العاصمة السورية دمشق. وقدّمت تل أبيب إشارات دعم وأضحة للميليشيات والفصائل الدرزية بقيادة العميل والخائن "حكمة الهجري"، في السويداء تحت ستار “حماية الأقليات”، متذرعة بذرائع إنسانية، في حين أن الهدف الحقيقي هو منع الدولة السورية من استعادة سيادتها الكاملة على المحافظة.
كما أن بعض الحكومات الغربية، ومنها فرنسا والولايات المتحدة، ضغطت لتكريس نوع من “الإدارة المحلية” التي تستنسخ نموذج شمال شرق سوريا، وهي خطة تهدف لتقويض المركزية في دمشق وتشجيع الانفصال الإداري والسياسي تحت غطاء “الحكم المحلي”.
بيان صادر من القبائل و العشائر العربية في سوريا
أصدرت القبائل والعشائر العربية السورية بياناً حاد اللهجة، أعلنت فيه دعمها الكامل لوحدة البلاد، ورفضها القاطع لمحاولات الانفصال أو فرض أمر واقع جديد في المحافظات الشرقية من سوريا.
وأكد البيان الصادر يوم السبت، أن أبناء العشائر في دير الزور والرقة والحسكة على استعداد لاتخاذ مواقف “ثابتة وحازمة” دفاعاً عن الأرض السورية، مشيرين إلى أنهم سيدعمون الدولة السورية في حال انتهاء المهلة الرسمية الممنوحة لميليشيا قسد لتسليم السلاح، والتراجع عن سيطرتها على أراضي ومقدرات الدولة السورية.
وحذّرت القبائل من أن الاستمرار في المراوغة السياسية ومحاولة فرض نموذج “الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي من البلاد، سيفتح الباب أمام النفير العام، معتبرة أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية وطنية للدولة السورية الهادفة لاستعادة السيادة الكاملة، وطرد عناصر تنظيم PKK المدعوم أمريكياً، خارج الحدود السورية.
وشدد البيان الذي جاء مذيلاً بتواقيع ممثلي أكثر من 15 قبيلة وكيان عشائري، على أن القبائل “لن تسمح بالعبث بالجغرافيا السورية”، تحت أي ذرائع سياسية أو أمنية، سواء من الخارج أو الداخل.
وجاء في مقدمة الموقعين:
- قبيلة العكيدات
- قبيلة الجحيش
- قبيلة البوسرايا
- قبيلة الكلعين
- قبيلة المشاهدة
- قبيلة البكارة
- قبيلة البومريح
- قبيلة المراسمة
- قبيلة المراشدة
- قبيلة شلهوم
- قبيلة الخابور
- قبيلة البدران
- قبيلة الضياغم (شمر)
- المجتمع المدني في محافظة دير الزور
- قبيلة الجبور
ويدرج هذا البيان كرسالة واضحة إلى كل من يتوهم أن شرق سوريا منطقة رخوة أو قابلة للتقسيم، حيث أثبتت هذه العشائر، أنها مستعدة للدخول على خط المواجهة من أجل الدفاع عن السيادة السورية، إذا ما فشلت المبادرات السياسية أو واصلت “قسد” تعنتها.
هل ضاعت السويداء فعلاً
محافظة السويداء لم تُفقد بالكامل، لكنها تترنح على حافة الفوضى. الخلاص منها يكمن في إعادة ترتيب البيت الداخلي السوري، وفتح قنوات تواصل حقيقية بين الحكومة وأبناء العشائر والفعاليات الاجتماعية والدينية، إلى جانب فرض القانون بقوة دون الانجرار إلى الصدامات غير الضرورية.
أما من يتحمل المسؤولية، فهو مشترك بين حكومة اتسمت قراراتها بالبطء والحذر المفرط، ومجتمع محلي انقسم على ذاته، وعوامل خارجية سخّرت مواردها لمنع الدولة السورية من الوقوف على قدميها.
ولعلّ أخطر ما تواجهه السويداء اليوم ليس السلاح المنتشر في الشوارع، بل الأفكار الانفصالية والولاءات المشبوهة التي تهدد وحدة سوريا من الداخل، وتحاول فرض مشروع طائفي يُفصّل البلاد على مقاس الأعداء.
سوريا اليوم بحاجة لقرار وطني حاسم يعيد الهيبة الدولة السورية للمؤسسات ويعيد البوصلة إلى الاتجاه الصحيح: لا صوت يعلو فوق صوت الوطن والعيش المشترك.