انطلاق معارض دمشق الصناعية وسط مشاركة إقليمية ودولية واسعة ومؤشرات لتعافي الاقتصادي

السوريين يحققون المعجزات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد البائد، لم تمر يوم وإلا تنطلق مشروع او إنجاز أو معرض جديد واليوم في مشهد يحمل رسائل اقتصادية عميقة ودلالات على تعافي العجلة الإنتاجية السورية، افتُتحت مساء اليوم في مدينة المعارض الجديدة بدمشق، فعاليات ثلاثة من أبرز المعارض الصناعية المتخصصة، وهي: معرض “روميكس” للمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج في دورته الثانية، ومعرض “كيم إكسبو” للصناعات الكيميائية بنسخته الخامسة، ومعرض “سيريا بلاست” للصناعات البلاستيكية في دورته السادسة، وسط حضور محلي ودولي لافت تجاوز 200 شركة من 14 دولة حول العالم.

ما يجعل هذه الفعاليات الثلاث استثنائية ليس فقط حجم المشاركة وعدد الدول الممثلة، بل توقيتها وموقعها، في ظل بيئة اقتصادية سورية ما تزال تخطو بحذر نحو إعادة البناء، وتعتمد على مثل هذه المبادرات كأدوات دعم نوعية لدفع قطاع الصناعة المحلي للواجهة مجددًا.

مشاركة متنوعة تعكس انفتاح الأسواق السورية

يبدو من النظرة الأولى إلى قائمة المشاركين أن المعارض باتت تشكل منصة جذب متزايدة للقطاعين العام والخاص، محليًا ودوليًا. إذ تسجّل شركات من السعودية، الإمارات، الصين، بلغاريا، ليبيا، ولبنان، حضورها بقوة هذا العام، إلى جانب شركات سورية من مختلف المحافظات، بما في ذلك إدلب، في مؤشر واضح على كسر الحواجز الجغرافية وتوسيع نطاق التعاون بين المنتجين السوريين ومجتمع الأعمال الأوسع في الداخل والخارج.

رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، المهندس محمد أيمن المولوي، وصف الحدث بأنه “أكبر تجمّع صناعي تشهده البلاد منذ سنوات”، مؤكداً أن هذا التجمع لا يقتصر على عرض المنتجات والآلات الحديثة فحسب، بل يشكل منبراً للحوار والتفاهم وبناء الشراكات الاستراتيجية. وأشار المولوي إلى أن هذه الفعاليات تسير في سياق استعادة الثقة بالمنتج السوري، وتمهّد لفتح آفاق جديدة للتعاون مع شركاء من الخارج، ضمن رؤية شاملة لتحديث الصناعات الوطنية ورفع قدرتها التنافسية.

منصة لعقد الاتفاقات وتوسيع الإنتاج

ومن جانب آخر، أكد نائب رئيس غرفة صناعة حلب، حسين عيسى، أن مثل هذه المناسبات ليست مجرد تظاهرات صناعية، بل هي فرصة فعلية لعقد تفاهمات بين رجال الأعمال، وبلورة خطط مشتركة لتوسيع الإنتاج المحلي وتبادل الخبرات، خصوصًا في مجالات حساسة مثل الصناعات البلاستيكية والكيميائية التي تعتبر ركيزة أساسية في الاقتصاد المعاصر.

الهدف الأبعد، بحسب عيسى، هو الوصول إلى مرحلة تصديرية فاعلة تنعكس إيجابيًا على الميزان التجاري الوطني، وتعيد إلى سوريا مكانتها كسوق صناعي متكامل قادر على تلبية الحاجات المحلية وتصدير الفائض، خاصة إلى الدول المجاورة التي أبدت استعدادًا متزايدًا للتعاون مع الصناعيين السوريين.

دلالات على التعافي وثقة متجددة بالقطاع الإنتاجي

الجهة المنظمة، ممثلة بمجموعة مشهداني الدولية للمعارض والمؤتمرات، اعتبرت على لسان مديرها العام خلف مشهداني أن هذه الدورة من المعارض تمثل ذروة النشاط الاقتصادي السوري للعام الجاري، مشددًا على أن اختيار دمشق كمقر لهذا الحدث الدولي “يعكس حجم الثقة المتزايدة بالإمكانات الوطنية وببيئة الاستثمار الصناعي في البلاد، رغم كل الظروف”.

وأشار مشهداني إلى أن الحضور الدولي هو دليل على إدراك الفاعلين الاقتصاديين في المنطقة والعالم بأن السوق السورية تستعيد تدريجيًا طاقتها، وتُعيد تشكيل دورها كمركز إقليمي للصناعات المتوسطة والثقيلة، لاسيما تلك المرتبطة بالمواد الأولية والمعدات الإنتاجية، وهي عوامل حيوية لأي خطط تنمية قادمة.

إجراءات تنظيمية تسهّل الوصول وتُشجع على المشاركة

لم تغفل إدارة المعارض عن أهمية تسهيل حضور الزوار، فقد تم تخصيص باصات نقل داخلي من منطقة البرامكة وسط دمشق، بمعدل باص كل نصف ساعة، إلى جانب تنظيم مواصلات خاصة من المحافظات بالتعاون مع غرف الصناعة والتجارة، في خطوة تعكس حرص المنظمين على الوصول إلى أوسع شريحة من الزوار والمهتمين، لا سيما من العاملين في قطاع الصناعة والطلاب والباحثين والمستثمرين الجدد.

الفرصة أمام السوريين للانخراط في الحدث الصناعي الأكبر لهذا العام

هذه المعارض، التي تستمر حتى 27 من تموز الجاري، تمثل فرصة نادرة للمهنيين السوريين، من فنيين وصناعيين ورجال أعمال وحتى طلبة الجامعات، للاطلاع على أحدث التطورات في عالم الآلات الصناعية، المواد الخام، تجهيزات الإنتاج، ومستحضرات الصناعات الكيميائية، في مكان واحد، وبتواصل مباشر مع ممثلي الشركات المنتجة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السورية إلى تحفيز الاستثمار الصناعي المحلي، تأتي هذه الفعاليات لتكون أداة واقعية للتشبيك بين المنتج والمستهلك والمستثمر، وتأكيدًا عمليًا على أن البلاد قادرة على تنظيم فعاليات اقتصادية نوعية وناجحة، حتى في أصعب الظروف.

كيف كان الاقتصاد السوري شبه منهار في ظل حكم النظام البائد

لم يكن الاقتصاد السوري في عهد نظام الأسد إلا مرآةً للفساد والمحسوبيات، حيث طغت مصالح ضيقة لعائلة حاكمة وشبكة من المنتفعين على حساب مصالح الشعب والدولة. خلال العقود الماضية، جرى تهميش الكفاءات الإنتاجية، وتم تدمير الصناعات الوطنية عبر سياسات الإقصاء والاحتكار، حتى باتت البلاد تفتقر إلى أي رؤية اقتصادية مستقلة، واعتمدت بالكامل على الاستيراد وعلى الدعم الخارجي المشروط.

كما شهدت البلاد انهيارًا شبه تام في البنية التحتية الاقتصادية، بعد أن تم تسخير موارد الدولة لخدمة الأجهزة الأمنية وشبكات التهريب والمصالح الشخصية. كان الفساد متجذرًا في كل مستويات الإدارة، من البلديات إلى الوزارات، ولم تُفتح أبواب الاستثمار إلا أمام من كانوا على صلة مباشرة بالدوائر المقرّبة من رأس السلطة، ما حوّل الاقتصاد إلى حالة من الشلل والتبعية.

وبفعل تلك السياسات، خسرت سوريا أهم ميزاتها الإنتاجية، سواء في الزراعة أو الصناعة أو حتى في قطاع السياحة. تراجعت القدرة الشرائية لدى المواطنين بشكل كبير، وتفشّت البطالة، وتزايدت معدلات الفقر والهجرة. ومع اندلاع الأزمة السورية، انهارت القطاعات المتبقية الواحدة تلو الأخرى، ما كشف حجم الخراب الحقيقي الذي خلّفه نظام فاسد لم يكن يومًا معنيًا بتنمية البلاد أو حفظ كرامة الإنسان السوري.

المصدر: سرت الإخبارية

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-