رسائل أمريكية شجعت الحكومة السورية دخول السويداء ظنت أنها حصلت على موافقة الأمريكا

قالت ثمانية مصادر مطلعة لوكالة ”رويترز” إن الحكومة السورية أخطأت في تقدير طبيعة الرد الإحتلال الإسرائيلي على تحركها العسكري في جنوب السوري الأسبوع الماضي، بعدما شجعتها رسائل أمريكية فسّرتها دمشق على أنها ضوء أخضر لإرسال قواتها إلى محافظة السويداء وبسط سيطرة.

وأوضحت المصادر، التي تشمل مسؤولين سوريين سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين ومصادر أمنية إقليمية، أن هذه التقديرات استندت إلى تصريحات علنية وخاصة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس بيريك، تحدث فيها عن ضرورة إدارة سوريا باعتبارها دولة مركزية واحدة، دون أي مناطق حكم ذاتي.

الرد الإسرائيلي جاء سريعًا ومفاجئًا، إذ نفذت تل أبيب ضربات جوية استهدفت مواقع للقوات السورية في دمشق وفي جنوب سوريا، وذلك بعد اتهامات وُجهت لتلك القوات بارتكاب انتهاكات بحق السكان الدروز في السويداء، بينها إعدامات ميدانية وتنكيل بالمدنيين. مصدران، أحدهما مسؤول خليجي رفيع، أكدا أن هذه الانتهاكات كانت الدافع المباشر لتدخل إسرائيل.

دمشق كانت تعتقد أن تحركاتها تحظى بموافقة ضمنية من واشنطن وتفاهم أولي مع تل أبيب، استنادًا إلى محادثات سابقة جرت في العاصمة الأذربيجانية باكو، بحسب مصدرين أحدهما غربي مطلع. لكنّ الحسابات السورية كانت خاطئة، وهو ما أدى إلى تصعيد غير محسوب، زاد من تعقيد المشهد في الجنوب السوري.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية السورية إن القرار بإرسال القوات كان نابعًا من “اعتبارات وطنية بحتة” وليس نتيجة أي إملاء خارجي، مضيفًا أن الهدف كان وقف الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة والقبائل البدوية، وإنقاذ المدنيين من خطر تفاقم الحرب الأهلية.

ومع تصاعد العنف، سارعت الولايات المتحدة وجهات إقليمية ودولية إلى التدخل لتثبيت وقف إطلاق النار، تم التوصل إليه مساء الأربعاء. وصرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن ما جرى كان نتيجة “سوء تفاهم” بين الجانبين الإسرائيلي والسوري، مؤكدًا على دعم واشنطن لوحدة الأراضي السورية مع ضرورة حماية الأقليات.

إسرائيل، التي كانت قد أعلنت مرارًا أن جنوب سوريا يجب أن يبقى منطقة منزوعة السلاح، وافقت لاحقًا على دخول محدود للقوات السورية إلى السويداء لمدة يومين، في خطوة اعتُبرت محاولة لتفادي مزيد من التصعيد، بينما أعلنت دمشق أنها ستنشر قوات خاصة لإنهاء التوترات الطائفية التي استمرت حتى صباح السبت.

جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما،أكد بأن الحكومة السورية ربما فسرت بشكل خاطئ الرسائل الأمريكية في الأيام الاخيرة، خاصة ما يتعلق برفض أي شكل من الحكم الذاتي، معتبرة ذلك تفويضًا ضمنيًا لإعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن السلطة المركزية بالقوة.

وأفاد مسؤول عسكري سوري أن المراسلات مع واشنطن، التي لم تتضمن اعتراضًا صريحًا على تحرك القوات، عُدّت من جانب دمشق إشارة على الموافقة، مضيفًا أن غياب الرد الأمريكي أعطى انطباعًا بأن إسرائيل لن تتدخل.

في المقابل، نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن تكون بلاده دعمت الضربات الإسرائيلية، مؤكدًا أن واشنطن لا تزال ملتزمة بوحدة الأراضي السورية وبمبدأ حماية المدنيين، داعيًا الحكومة السورية إلى محاسبة مرتكبي أعمال العنف في السويداء.

تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر الجمعة، أشار إلى مقتل 321 شخصًا على الأقل خلال المواجهات، من بينهم نساء وأطفال وعاملون في المجال الطبي، وأكد التقرير وقوع إعدامات ميدانية من مختلف الأطراف.

ومع أن رويترز تمكنت من التحقق من توقيت ومكان بعض المقاطع المصورة التي توثق القتل في السويداء، إلا أنها لم تستطع التأكد من الجهة المنفذة أو تاريخ وقوع الانتهاكات بدقة.

مصدر استخباراتي إقليمي قال إن الرئيس أحمد الشرع فقد السيطرة على الأرض بسبب اعتماده على فصائل مسلحة ذات خلفيات إسلامية متشددة بدلًا من الجيش النظامي، وهو ما أدى إلى حالة من الفوضى في إدارة العمليات الميدانية.

وفي سابقة مقلقة، لقي المئات من أبناء الطائفة العلوية مصرعهم في الساحل السوري خلال أحداث طائفية اندلعت في مارس الماضي، وسط مخاوف حقيقية من تحول سوريا إلى دولة ممزقة بين كيانات طائفية متناحرة.

مسؤول خليجي بارز أشار إلى أن الحكومة السورية ارتكبت “خطأ جسيمًا” في إدارتها لأحداث السويداء، مضيفًا أن هذا السلوك منح إسرائيل فرصة مثالية لتوجيه ضربات عسكرية مبررة في سياق دعمها التاريخي للدروز.

بيريك، المبعوث الأمريكي، شدد سابقًا على ضرورة وحدة الدولة السورية ورفض الحكم الذاتي للمكونات العرقية والدينية، لكن مراقبين يعتبرون أن هذا الخطاب فُهم بشكل خاطئ في دمشق، ما ساهم في إحداث شرخ جديد بين الحكومة والأقليات، خاصة الدروز والأكراد الذين ما زالوا يطالبون بدمج مقاتليهم في الجيش السوري ضمن وحدات خاصة تتمركز في مناطقهم فقط.

وفي تطور لافت، كان من المفترض أن يلتقي وزير المالية السوري مع عدد من ممثلي شركات طاقة أمريكية في دمشق لبحث مشاريع استثمارية، لكن اللقاء أُلغي بعدما ضربت إسرائيل العاصمة السورية صباح الأربعاء. وقال جوناثان باس، الرئيس التنفيذي لشركة “أرجنت للغاز الطبيعي المسال”، إنه تلقى تأكيدات من واشنطن قبل وصوله بأن الوضع الأمني مستقر، ولم يكن يتوقع هذا النوع من التصعيد.

كل هذه المؤشرات تعكس أزمة ثقة متصاعدة بين الأقليات والحكومة، من جهة، وبين سوريا والدول الفاعلة إقليميًا من جهة أخرى، وسط تساؤلات جدية حول قدرة النظام على ضبط فصائله المسلحة، وجدوى أي تفاهمات غير واضحة المعالم مع أطراف مثل إسرائيل أو الولايات المتحدة.

في ظل هذه التطورات، تبدو سوريا على مفترق طرق خطير، إذ أن أي تحرك عسكري غير محسوب قد يُترجم إلى اشتعال إقليمي واسع يصعب احتواؤه، ما لم تُضبط بوصلة التفاهمات الدولية من جديد.

المصدر: وكالة رويترز

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-