في تطور خطير ينذر بعواقب إنسانية واقتصادية وخيمة، كشف نائب محافظ القنيطرة محمد السعيد لوكالة الأناضول أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت ببناء أكثر من ثماني قواعد عسكرية جديدة شمال المحافظة، ما أدى إلى إغلاق نحو 6 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية والمراعي، التي كانت تشكل مصدر رزق أساسي للآلاف من العائلات السورية في المنطقة.
هذه التحركات العسكرية، التي جاءت في ظل تصاعد التوتر الإقليمي، ترافقت مع حملة دمار ممنهجة طالت الممتلكات المدنية. وأوضح السعيد أن قوات الاحتلال دمرت مؤخرًا أكثر من 15 منزلًا في قرية الحميدية، في خطوة وصفها الأهالي بأنها انتقامية ولا تمت بصلة إلى أي مبررات أمنية، بل تهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها، وتعميق معاناة المدنيين الذين أنهكتهم سنوات الحرب والحصار.
وعلى الرغم من أن الاحتلال يزعم أن هذه الخطوات تأتي كرد فعل على “وجود قوات لحزب الله وإيران” في المنطقة، فإن مصادر محلية تشير إلى أن هذه الادعاءات تُستخدم كغطاء لتوسيع النفوذ العسكري الإسرائيلي في الشريط الحدودي، وفرض أمر واقع جديد، وسط صمت دولي واضح، وعجز المنظمات الإنسانية عن التدخل الفعلي لحماية السكان.
وتحظى محافظة القنيطرة بأهمية استراتيجية بالغة، نظراً لموقعها المحاذي لمرتفعات الجولان المحتلة، حيث تسعى إسرائيل منذ سنوات إلى فرض منطقة عازلة غير معلنة، مستخدمة ذريعة “التهديد الإيراني” مبررًا لتوسيع تواجدها العسكري، وعرقلة أي جهود لإعادة الإعمار أو عودة النازحين إلى قراهم.
المخاوف تتزايد من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى أزمة إنسانية جديدة، لا سيما مع انقطاع المزارعين عن أراضيهم ومراعيهم، مما يهدد دورة الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية في المنطقة. ووفقاً لتقديرات محلية، فإن إغلاق هذه المساحات الواسعة من الأراضي سيؤثر مباشرة على الأمن الغذائي في المنطقة، إضافة إلى ما يحمله من تداعيات اجتماعية تتعلق بزيادة البطالة والهجرة القسرية نحو مناطق أكثر استقرارًا.
وكما جاءت هذه التطورات في وقت تشهد فيه الساحة السورية عامة، والجنوبية منها خاصة، حالة من الجمود السياسي، مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة، والتي غالباً ما تُبرر بوجود “نشاطات معادية” في العمق السوري، دون تقديم أدلة حقيقية، وهو ما اعتبرته دمشق مرارًا خرقًا فاضحًا للسيادة الوطنية، وانتهاكًا للقوانين الدولية.
ورغم الإدانات الشكلية الصادرة عن بعض الدول والمنظمات، إلا أن التحركات الفعلية لحماية الأراضي السورية من التغوّل الإسرائيلي تبقى غائبة. ويرى مراقبون أن الصمت الدولي إزاء هذه السياسات التصعيدية يشجّع تل أبيب على مواصلة انتهاكاتها دون خشية من أي محاسبة أو رادع.
من جهتهم، ناشد أهالي القنيطرة المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية للتدخل العاجل، لوقف الاعتداءات على أراضيهم وممتلكاتهم، وضمان عودتهم الآمنة إلى قراهم، وإلزام الاحتلال بالتوقف عن استهدافهم تحت ذرائع أمنية مفتعلة لا تستند إلى أي شرعية قانونية أو إنسانية.
يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل ملف الجولان والقنيطرة خارج دائرة الاهتمام الدولي، رغم ما يتعرض له من ضغوط، وتغيير ديموغرافي، وحرمان للسكان من أبسط حقوقهم كل يوم.