في تطور لافت على صعيد العلاقات الاقتصادية بين سوريا ودول الخليج، عقد رئيس اتحاد غرف التجارة السورية علاء عمر العلي ورئيس غرفة تجارة دمشق المهندس عصام الغريواتي لقاءً افتراضياً مع الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي صالح بن حمد الشرقي، ناقش خلاله الطرفان آليات تعزيز التعاون المشترك وفتح آفاق جديدة للشراكة الاقتصادية في مرحلة ما بعد رفع العقوبات عن سوريا.
وخلال اللقاء الذي جرى عبر تقنية الاتصال المرئي، عبّر الأمين العام لاتحاد غرف دول الخليج عن تفاؤله بمستقبل سوريا الاقتصادي، مؤكداً أن بلاده تنظر إلى سوريا كدولة واعدة في المنطقة تستحق الدعم والمساندة، وأن دول الخليج حريصة على الدخول الفعّال في السوق السورية، مشدداً على أهمية الاستفادة من الخبرات السورية التي لعبت دوراً محورياً في تنمية اقتصادات الخليج على مدى عقود.
كما دعا إلى وضع خطة عمل واقعية تشمل عقد ملتقيات اقتصادية قريبة سواء في دمشق أو في إحدى دول الخليج، بهدف جمع القطاع الخاص من الجانبين، وتبادل الأفكار والخبرات، بما يسهم في فتح قنوات تعاون مستدامة تخدم مصالح الطرفين، مؤكداً أن سوريا كانت وستبقى محطة اهتمام اقتصادي خليجي، وأن واجب المرحلة هو الوقوف إلى جانبها.
من جانبه، شدد رئيس اتحاد غرف التجارة السورية على أن الحكومة السورية شرعت منذ فترة في تنفيذ سلسلة إصلاحات اقتصادية شاملة تستهدف تنشيط السوق وتحريره من القيود السابقة التي فرضها النظام البائد، مشيراً إلى أن هذه الإصلاحات تسير جنباً إلى جنب مع خطوات إعادة الإعمار وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي. وأكد أن سوريا باتت تعتمد حالياً على سياسة الاقتصاد الحر بضوابط واضحة تحمي مصالح الشعب السوري، وتعيد للقطاع الخاص دوره الطبيعي في قيادة النمو وتحفيز التنمية.
وأشار إلى أن الحكومة السورية اليوم تعمل بمنهجية علمية لتحديد القطاعات الأكثر أولوية في عملية النهوض الاقتصادي، خاصة في ظل انفتاح البلاد على محيطها العربي والدولي بعد إلغاء العقوبات. وأوضح أن سوريا تمتلك فرصاً استثمارية نوعية في مختلف المجالات، من الزراعة والصناعة، إلى السياحة والطاقة والخدمات المصرفية، وهي تسعى إلى اجتذاب الاستثمارات الخليجية للاستفادة من رؤوس الأموال والخبرات، ضمن بيئة آمنة وخصبة للمستثمرين.
أما المهندس عصام الغريواتي، فقد أشار إلى أن الاقتصاد السوري بدأ يتعافى تدريجياً، وأن مرحلة التحول الجارية تُعزز مبادئ الشفافية والحَوْكَمة، وتعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة، مؤكداً أن غرفة تجارة دمشق بدأت فعلياً باستعادة مكانتها التاريخية كمركز رئيسي للتجارة الإقليمية. وأضاف أن رفع العقوبات شكّل دفعة قوية لعودة سوريا إلى مسارها الطبيعي، وأن البلاد أصبحت مهيأة الآن للانفتاح على مشاريع استراتيجية تستفيد منها مختلف شرائح المجتمع.
وتأتي هذه اللقاءات في سياق استراتيجية سورية جديدة عنوانها: سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار، حيث تسعى الدولة إلى تحفيز الصناعات الوطنية وتوسيع نطاق الصادرات، تزامناً مع تحديث المنظومة القانونية لجذب المستثمرين وتحسين بيئة الأعمال. ويؤكد المراقبون أن هذه المرحلة الانتقالية تحمل فرصاً كبيرة للقطاع الخاص، وأن الاتجاه نحو الشراكة مع دول الخليج يعكس رغبة حقيقية في بناء اقتصاد متوازن يعتمد على الإنتاج والتصدير، بدلاً من الريع والمساعدات.
ويعوّل السوريون على أن تكون هذه الشراكة بداية لعهد جديد من الازدهار، خاصة في ظل الدعم الخليجي المعلن، والإجراءات الحكومية التي تهدف إلى إزالة العوائق أمام الاستثمار، وتسهيل حركة رؤوس الأموال، وإطلاق العنان للمبادرات الاقتصادية في الداخل والخارج. ومن المتوقع أن تلي هذه الاجتماعات زيارات ميدانية لوفود خليجية إلى سوريا، وطرح مشاريع مشتركة، وإعادة تنشيط دور الغرف التجارية كوسيط فاعل بين الحكومات والمستثمرين.
كما أن التوجه نحو تعزيز دور القطاع الخاص يعكس إيمان الحكومة بأن التنمية الحقيقية تبدأ من الداخل، ومن دعم الإنتاج الوطني، الذي يُعد الأساس في بناء اقتصاد قوي. وفي هذا السياق، تتصدر عبارة “سوريا تدعم المنتج المحلي وتشجع على الاستثمار” خُطط الوزارات والمؤسسات الاقتصادية، باعتبارها شعار المرحلة المقبلة، ومحور جميع التحركات الحكومية والقطاعية في البلاد.
وبات من الواضح أن سوريا اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة التأسيس الاقتصادي، ضمن بيئة أكثر انفتاحاً واستقراراً، تدعمها الإرادة السياسية، وتُغذيها حاجة الأسواق العربية لإعادة الربط الاقتصادي مع دمشق.
وإذا ما نجحت الخطط المطروحة في التطبيق العملي، فإن البلاد ستكون خلال سنوات قليلة أمام مشهد اقتصادي مختلف، يقوم على التنافسية والابتكار وجذب رؤوس الأموال، وهو ما يتطلب المزيد من التعاون الإقليمي والدولي.
ووفقًا لما رشح عن الاجتماع، فإن الطرفين اتفقا على استمرار التواصل ورفع مستوى التنسيق، وصولاً إلى تشكيل فرق عمل مشتركة تتابع عن قرب الفرص الاستثمارية، وتُذلل الصعوبات، وتُؤسس لمرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي بين سوريا ودول الخليج، بما يخدم المصالح المتبادلة، ويسهم في استقرار المنطقة ونموها المستدام.