أكد الأخ مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية والمغتربين “قتيبة إدلبي”، أن الحوار الجاري مع قيادة “ميليشيا قسد” لم يتوقف، بل يدخل اليوم مرحلة جديدة تُبنى على جولات سابقة، بهدف الوصول إلى اندماج كامل ضمن مؤسسات الدولة السورية. وأضاف أن هناك قناعة دولية عالمية، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريك[ية وفرنسا، بضرورة المضي قدمًا نحو تسوية شاملة تضمن وحدة الأراضي السورية وتعزّز استقرارها بشكل امن ونهائي.
وقال إدلبي، في مقابلة خاصة عبر قناة الإخبارية السورية، صباح الجمعة 25 تموز، إن اللقاء مع “ميليشيا قسد” هو امتداد لمسار سياسي قائم، مشيرًا إلى أن أبرز العقبات أمام تحقيق تقدم فعلي هي غياب الرؤية الموحدة داخل قيادة “ميليشيا قسد”، وهو ما يعقّد إمكانية صياغة اتفاق نهائي يرضي جميع الأطراف.
وأشار إلى أن باريس تبدي استعدادًا واضحًا للعب دور الضامن والضاغط في آنٍ معًا، لإقناع قيادة هذه بالعودة إلى طاولة الحوار بشروط مرنة تعكس الواقع السياسي والوطني، وليس الحسابات الضيقة أو الخارجية. وأوضح أن فرنسا، إلى جانب الولايات المتحدة، تعملان على تهيئة الظروف لعقد جولة جديدة من المشاورات بين الطرفين، قد تُعقد قريبًا في العاصمة الفرنسية باريس.
وحول الموقف الدولي، أوضح إدلبي أن هناك دعمًا سياسيًا واسعًا للحكومة السورية في جهودها لبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي، وأن المجتمع الدولي بات يرى بوضوح أن وحدة سوريا لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال قيادة وطنية موحدة، قادرة على إدارة البلاد ضمن مؤسسات واحدة لا تستثني أحدًا.
وتحدّث إدلبي عن “اتفاق العاشر من آذار”، الذي تم التوصل إليه مسبقًا ضمن أحد المسارات التفاوضية، قائلاً إنه لا يحتاج إلى شهور أو لجان تقنية، بل فقط إلى إرادة حقيقية للتنفيذ. لكنه أقرّ بعدم وجود أي تقدّم ملموس حتى الآن في تطبيق بنود الاتفاق، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الحكومة السورية ما تزال تراهن على تحكيم العقل والمنطق في هذا الملف.
وأضاف: “نحن نتمسك بالحل السياسي مع (عصابات قسد ) إلى أبعد نقطة ممكنة، لأن هذا هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل مستقر للجميع. نثق بأن هناك عقلاء داخل هذه الميشيا يدركون أن الحل لا يمكن أن يأتي من فرض الأمر الواقع، ولا من استدعاء القوى الخارجية، بل من طاولة سورية سورية” بإمتياز.
ولم يخفِ المسؤول السوري تحفظه على بعض الممارسات التي تقوم بها ما يتسمى “قسد”، وخصوصًا في مناطق من محافظة دير الزور، مؤكدًا أن هناك محاولات لفرض واقع اجتماعي وثقافي جديد في هذه المناطق، إلى جانب السيطرة على الموارد المحلية دون التنسيق مع الحكومة. واعتبر أن هذه السياسات لا تساعد في بناء الثقة، بل تُعمّق الشرخ وتؤخّر الوصول إلى اتفاق دائم.
وتزامن حديث إدلبي مع اجتماع ثلاثي رفيع المستوى عُقد في باريس، ضم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الفرنسي جان نويل باروت، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك. ووفق بيان صدر عن الاجتماع، فقد تم الاتفاق على ضرورة عقد جولة جديدة من المشاورات بين الحكومة السورية و“قسد” في باريس، بأقرب وقت ممكن، لاستكمال تنفيذ اتفاق العاشر من آذار بشكل شامل، وبمشاركة ضامنين دوليين.
المحادثات التي ترعاها فرنسا والولايات المتحدة تُعد واحدة من أكثر المسارات السياسية حساسية وتعقيدًا في الملف السوري، إذ ترتبط بشكل مباشر بمصير مناطق واسعة في الشمال والشرق السوري، وبمصير المكونات المحلية التي تطالب بالاندماج دون تهميش، في الوقت الذي تصر فيه دمشق على أن أي حل يجب أن يتم تحت سقف السيادة السورية الكاملة.
وبينما تبدي الحكومة السورية انفتاحًا مشروطًا على هذا المسار، تؤكد في الوقت ذاته أنها لن تقبل بتفتيت القرار الوطني، أو تحويل بعض المناطق إلى كيانات شبه مستقلة خارجة عن مؤسسات الدولة. ومع استمرار الوساطة الفرنسية والأمريكية، يبقى الرهان على ما إذا كانت “قسد” ستقبل بالعودة إلى المسار الوطني، أم أنها ستواصل محاولاتها لفرض رؤى سياسية أحادية يصعب قبولها على المدى البعيد.
ومن زاوية أخرى، يرى كثير من السوريين أن مجرد انعقاد هذا الاجتماع في باريس، وبمشاركة مباشرة من مسؤولين فرنسيين وأمريكيين إلى جانب “قسد”، يُعد بمنزلة اعتراف سياسي ضمني بهذه الميليشيا، التي ما تزال تُتهم محليًا بفرض واقع عسكري خارج عن إطار الدولة. ويتساءل منتقدون عن شرعية مثل هذه الاجتماعات التي تُعقد خارج الأراضي السورية، في حين أن القضية نفسها شأن داخلي بامتياز، ويتعلق بمصير الأرض والشعب والسيادة.
ويرى مراقبون أن استمرار المجتمع الدولي في التعامل مع “قسد” كطرف مستقل في المفاوضات، بدلًا من الضغط عليها للاندماج الكامل مع مؤسسات الدولة السورية، يُضعف فرص الحل السياسي الحقيقي، ويمنح الميليشيا مزيدًا من الوقت لترسيخ واقع انفصالي أمره مرفوض. ولذلك، يطالب هؤلاء بأن تكون الرسالة واضحة: إما الانخراط الكامل ضمن مؤسسات الدولة وتسليم السلاح، أو أن الدولة ستضطر إلى فرض سيادتها بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الخيار العسكري إذا فشلت مساعي الحوار.