في زيارة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية واستراتيجية بالغة الأهمية، بدأ السيد الرئيس أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية جولته الخليجية الثانية منذ تسلمه منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية، مستهلًا أولى محطاتها في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حيث كان في استقباله رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في مراسم رسمية عكست متانة العلاقات الثنائية المتنامية بين دمشق وأبو ظبي. وتأتي هذه الجولة في توقيت دقيق.
ضمن خطة وطنية لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية الشاملة، بعد أن تجاوزت سوريا عقدًا من الحرب والانقسام، لتدخل مرحلة جديدة من الانفتاح الإقليمي واستقطاب الشراكات الاستراتيجية.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية سانا، عُقد اجتماع موسّع بين الرئيس الشرع والشيخ محمد بن زايد، تخلله نقاش معمّق حول آفاق التعاون الاقتصادي، وسبل دعم جهود سوريا في مرحلة ما بعد الحرب. وأعرب الرئيس الشرع عن تقديره للدور الريادي الذي تقوم به دولة الإمارات على مستوى دعم الاستقرار الإقليمي، وحرصها على الوقوف إلى جانب الدول التي تمرّ بمراحل انتقالية دقيقة. كما شدد الرئيس السوري على أن بلاده قد طوت فعليًا صفحة الحرب والانقسام، وتستعد لإطلاق مرحلة بناء دولة حديثة تقوم على التعددية، والاستثمار في الإنسان، وتحفيز القطاعات الإنتاجية، مشيرًا إلى أن التعاون مع دول الخليج، وفي مقدمتها الإمارات، سيكون عاملًا محوريًا في هذه المسيرة.
الرئيس الشرع عبّر عن تطلّع سوريا إلى الاستفادة من التجربة الإماراتية المتقدمة في مجالات التنمية المستدامة، والتحول الرقمي، والطاقة النظيفة، واعتبر أن ما حققته أبو ظبي في السنوات الأخيرة يمثل نموذجًا تنمويًا متقدمًا يستحق الدراسة والتعاون في تفاصيله. كما أشار إلى أن الحكومة السورية وضعت رؤية جديدة لجذب الاستثمارات الخليجية، من خلال تحديث البيئة القانونية، وتوفير ضمانات قانونية واقتصادية، وإطلاق مناطق اقتصادية خاصة، تستوعب الاستثمارات ذات الطابع التكنولوجي والصناعي والخدمي.
من جانبه، رحب الشيخ محمد بن زايد بزيارة الرئيس أحمد الشرع، مؤكدًا دعم دولة الإمارات الكامل لجهود سوريا في مسار الاستقرار والإعمار، ومشددًا على أهمية تعزيز التعاون الثنائي في مجالات البنية التحتية، والتكنولوجيا، والطاقة، والاستثمار، لما فيه خير ومصلحة الشعبين الشقيقين. كما نوه بالدور السوري المحوري في التوازن الإقليمي، وأهمية عودة سوريا إلى موقعها الطبيعي ضمن الفضاء العربي، سياسيًا واقتصاديًا.
ويبقى هذه الجولة الخليجية وسط اهتمام متزايد من قبل العواصم الخليجية بإعادة ربط سوريا بالمنظومة الاقتصادية الإقليمية، لا سيما في ضوء الخطط المعلنة لإعادة الإعمار وتطوير البنية المؤسسية للدولة السورية. وينظر إلى الإمارات على وجه الخصوص باعتبارها أحد أبرز الفاعلين في هذا الملف، في ظل ما تملكه من أدوات استثمارية ومؤسسات تمويل كبرى، إضافة إلى خبرتها المتقدمة في تطوير المدن الذكية والبنية التحتية الحيوية.
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الإمارات تشكل بداية قوية لجولته الخليجية التي تشمل عددًا من العواصم المؤثرة في المشهد العربي، حيث من المقرر أن تشهد محطات الجولة القادمة سلسلة من اللقاءات والاتفاقيات الثنائية، في إطار بلورة شراكات تنموية تعكس التحول الاستراتيجي في السياسة السورية، وعودة دمشق إلى الخارطة السياسية والاقتصادية في الإقليم برؤية جديدة. ويُتوقع أن تفتح هذه الجولة الباب أمام ضخ استثمارات خليجية مباشرة في القطاعات السورية الأساسية، مثل الطاقة والنقل والاتصالات والقطاع الزراعي والصناعات التحويلية، إضافة إلى مشاريع إعادة تأهيل المرافق العامة في المدن المتضررة، وذلك ضمن رؤية بعيدة المدى تهدف إلى استعادة التعافي الاقتصادي وبناء دولة قادرة على النهوض بكوادرها وإمكانياتها الذاتية، عبر تحالفات استراتيجية مستندة إلى الثقة والمصالح المتبادلة.