خلال نقاش دار بيني وبين صديق لي حول حركات المقاومة في المنطقة، تبين لي أن هناك العقليات الشائعة التي تختزل القضايا الكبرى إلى شعارات وأحكام مسبقة. صديقي كان يرى أن حركة حماس مجرد أداة لإيران، بينما كنت أؤكد أنها حركة مقاومة تعمل وفق مصالح الشعب الفلسطيني وتحاول الحفاظ على القضية الفلسطينية في طليعة الاهتمام الدولي.
وعندما أشرت إلى أن حماس تشكر إيران، قال: “هذا دليل على ولائهم لإيران”، فأوضحت له أن هذه التصريحات سياسية في طبيعتها، وأن شكر أي دولة أو جهة لا يعني تبعية أو ولاء دائم، بل هو طريقة لبناء علاقات جيدة مع الجميع والحفاظ على مكانة الحركة في المجتمع الدولي.
السياسيون، كما في حالة حماس، حزب الله، الحوثي، أو حتى النظام السوري، عندما يشكرون دولة مثل إيران أو روسيا، فإن الهدف ليس الانحياز الكامل أو الولاء المطلق، بل رد الجميل لمن يقدم دعماً عملياً بطرق مختلفة، وهو جزء من الدبلوماسية والسياسة. الرئيس السوري عندما يشكر بوتين أو روسيا، لا يعني أن المواطنين يجب أن يحبوا روسيا أو يكونوا تابعين لها، بل أن الهدف هو إدارة علاقات الدولة مع القوى الكبرى في ظل ظروف معقدة.
هذا النوع من التفكير يتسم بعدة سمات رئيسية: التبسيط المفرط للقضايا المعقدة، الانتقائية في المعلومات، والتحليل العاطفي أكثر من الواقعي. فمثلاً، عندما يقال إن حماس تدعم التشيع أو محور المقاومة الشيعي، فإن هذا ظلم وكذب على الحركة، حيث أن حماس لا تنشر التشيع في غزة، بل تعمل على محاربته، وتبقى وفية لقضيتها الوطنية الفلسطينية بعيداً عن التجاذبات الطائفية.
عقليات كهذه تعتمد على الربط السطحي للأحداث. فمثلاً، في نقاشنا، ربط صديقي نجاح الثورة السورية بدعم الغرب، ومن ثم يعمم أن كل ما يحدث في سوريا مرتبط بـ الغرب، متجاهل التعقيدات السياسية والتاريخية. كما يتجاهلون دور خذلان الدول العربية في مسارات الأزمات، ويختزلون أي انتصار أو فشل إلى طرف واحد، في حين أن الواقع متعدد الأبعاد ويضم لاعبين محليين وإقليميين ودوليين في كل ملف.
من المهم إدراك أن السياسيين والحركات عند شكرهم لدول أو أطراف، فإن ذلك لا يعني ولاء أو تبعية، بل هو أداة سياسية لبناء جسور تواصل والحفاظ على مصالح شعوبهم، كما هو الحال مع حماس عندما تشكر إيران أو أي جهة دعمتها، أو النظام السوري عند شكر روسيا. وهذا لا يلغي الواقع المأساوي الذي ارتكبته بعض الدول بحق شعوبها، كما حصل في سوريا من جرائم عديدة ارتكبتها روسيا.
كما ناقشنا دور بعض العلماء والشيوخ في تشكيل وعي الشعوب، يتضح أن بعض الأقوال قد تكون مضللة سواء بقصد أو دون قصد. ففي أحداث السويداء، ظهرت مقولة تقول إن “دم السوري على السوري حرام”، مع أن الذين يقتلون السوريين من الجيش والأمن أو المدنيين هم في الواقع مرتزقة وخونة عملاء لدول خارجية وإقليمية، يتآمرون ضد الدولة ويستهدفون الشعب السوري، خصوصاً السنة منهم. هذه المقولة لا تتطابق مع الواقع ولا مع طبيعة هؤلاء الجماعات، فهم ليسوا فعلياً سوريين بل أدوات لتنفيذ أجندات خارجية.
وعندما يأتي عالم أو شيخ ليكرر مثل هذه المقولة دون تحليل دقيق، فإنه إما غافل أو جاهل أو مشكوك في أمره، وقد ينجر الشعب وراء كلمات غير دقيقة، مما يخلق التبرير للمرتزقة والمجرمين بحجة أنهم “سوريون”. كان الأجدر أن يقولوا الحقيقة بشكل واضح: “دم المسلم على المسلم حرام”، مع التأكيد على أن الأقليات في حماية الدولة والشعب، وأن مسؤوليتنا وفق الأخلاق الإسلامية هي حمايتهم.
هذا يوضح أهمية وعي الشعوب عند الاستماع لكلمات العلماء أو السياسيين، وفهم أن بعض الأقوال قد تكون سياسية وعامة لتفادي الانجرار نحو الفوضى، وأن على المواطنين التمييز بين الحق والباطل، وعدم السماح للخداع بإخفاء المسؤولية الحقيقية للمرتكبين.
في النهاية، العقليات التي تختزل القضايا الكبرى إلى شعارات وأحكام مسبقة تمنع المواطنين من الفهم الواقعي للعالم المعقد من حولهم. يحتاج الناس إلى الوعي النقدي، وفحص المعلومات بدقة قبل إصدار الأحكام، وفهم أن السياسة والتاريخ والأحداث الكبرى لا يمكن اختزالها إلى شعارات بسيطة أو تفسيرات عاطفية.