أصدر مصرف سورية المركزي، اليوم الاثنين 12 آب 2025، بيانًا رسميًا دعا فيه جميع الأفراد والشركات إلى قصر تعاملاتهم في مجال الصرافة والحوالات المالية الخارجية على مؤسسات الصرافة المرخصة أصولًا من قبله، محذرًا من تزايد ظاهرة ممارسة مهنة الصرافة دون ترخيص وما يترتب على ذلك من مخاطر وأضرار جسيمة.
البيان، الذي نُشر عبر المنصات الرسمية للمصرف، شدد على ضرورة التزام الجميع بالتعامل حصريًا مع شركات ومكاتب الصرافة المسجلة أصولًا في سجل مؤسسات الصرافة، أو تلك الحاصلة على تراخيص مبدئية بموجب القرار رقم (199/ل.إ) الصادر بتاريخ 11 آذار 2025، مؤكدًا أن هذه المؤسسات وحدها تخضع لإشراف ورقابة مصرف سورية المركزي وفق ما ينص عليه القانون.
خلفية القرار وأسبابه
يأتي هذا التحرك بعد أن لاحظ المصرف المركزي، بحسب ما أوضح في بيانه، اتساع نطاق الأنشطة غير المرخصة في مجال الصرافة، سواء من خلال تنفيذ عمليات صرف العملات أو تلقي الحوالات المالية من الخارج دون المرور بالقنوات الرسمية. هذه الممارسات، وإن بدت في ظاهرها وسيلة لتسريع العمليات أو الحصول على أسعار صرف غير رسمية، إلا أنها تنطوي على مخاطر مرتفعة تشمل فقدان الأموال، والتعرض للاحتيال وعمليات نصب، وحتى التورط في مخالفات قانونية.
ومن أهم الأسباب التي دفعت المركزي لاتخاذ هذا الموقف الحازم:
- انتشار العملات المزورة وتداولها في السوق من خلال قنوات غير رسمية.
- نقص السيولة أو تسليم مبالغ غير كاملة نتيجة التعامل مع جهات غير مرخصة.
- ضعف معايير الأمان وعدم وجود آليات رقابية فعّالة تضمن سلامة المعاملات.
- احتمال استخدام هذه القنوات غير النظامية في عمليات غير مشروعة أو لتمويل أنشطة مخالفة للقوانين.
الأبعاد القانونية والتنظيمية
مصرف سورية المركزي، بموجب الصلاحيات الممنوحة له في القانون، يمتلك حق الإشراف الكامل على مؤسسات الصرافة وتنظيم عملها. ويهدف هذا الإشراف إلى ضمان الشفافية والنزاهة في التعاملات المالية، ومنع أي تجاوزات قد تضر بالمستهلك أو بالاقتصاد الوطني.
البيان أوضح أن جميع مؤسسات الصرافة المرخصة تخضع لتدقيق دوري ولإجراءات رقابية صارمة، تشمل التحقق من سلامة العمليات المالية، ومطابقة أسعار الصرف المعلنة مع الأسعار الرسمية، وضمان الالتزام بآليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما الجهات التي تمارس هذه المهنة دون ترخيص، فهي تعمل خارج إطار القانون، ولا تتمتع بأي حماية قانونية أو ضمانات مالية، مما يجعل المتعاملين معها عرضة لمخاطر جسيمة، بدءًا من فقدان الأموال، وصولًا إلى الملاحقة القانونية.
المخاطر على المواطنين
المصرف المركزي لم يكتفِ بالتحذير من المخاطر النظرية، بل سلط الضوء على حالات فعلية سُجلت مؤخرًا، تضمنت:
- تسليم حوالات مالية ناقصة أو مزورة.
- رفض إعادة الأموال في حال حدوث خلل أو فقدان في العملية.
- غياب أي جهة يمكن للمواطن الرجوع إليها للمطالبة بحقه.
هذه المخاطر، بحسب المصرف، تتفاقم مع ازدياد حجم التعاملات غير الرسمية، ولا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد، حيث يسعى بعض المواطنين إلى تجنب الرسوم أو الحصول على أسعار صرف أعلى، دون إدراك لما يمكن أن يتعرضوا له من خسائر.
الإجراءات القانونية المتخذة
لتعزيز الشفافية وضمان التزام الجميع، أرفق مصرف سورية المركزي في بيانه قائمة تفصيلية بأسماء مؤسسات الصرافة المرخصة، مشيرًا إلى أنها متاحة للجميع عبر منصاته الرسمية. كما أكد أنه سيعمل على إغلاق أي شركة أو مكتب صرافة يعمل دون ترخيص، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
وأشار البيان إلى أن هذه الإجراءات ليست مجرد تدابير تنظيمية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى:
- ضبط سوق الصرف وحماية قيمة العملة الوطنية.
- ضمان استلام الحوالات الخارجية بأمان وبالقيمة الكاملة.
- تقليل فرص انتشار العملات المزورة في السوق المحلية.
رسالة للمغتربين السوريين في الخارج
ولم يغفل المصرف عن توجيه رسالته للمغتربين السوريين، الذين يشكلون مصدرًا مهمًا للحوالات المالية إلى الداخل. ودعاهم إلى التأكد من أن عمليات تحويل أموالهم تتم عبر مؤسسات مرخصة، لضمان وصولها إلى ذويهم دون مشاكل أو تأخير.
كما شدد على أن الحوالات القادمة عبر القنوات الرسمية تتمتع بمتابعة ورقابة تضمن حقوق المرسل والمستفيد، فضلاً عن أنها تُسهم في دعم الاحتياطيات النقدية للدولة وتعزيز الاستقرار المالي.
التأثيرات الاقتصادية المحتملة
من الناحية الاقتصادية، فإن تنظيم قطاع الصرافة يمكن أن يسهم في تقليل الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازي، مما قد يحد من المضاربة على العملة ويحسن من استقرارها. كما أن الحد من التعاملات غير المرخصة يساعد على إدخال الأموال إلى الدورة الاقتصادية الرسمية، ما ينعكس إيجابًا على مؤشرات الاقتصاد الكلي.
إضافة إلى ذلك، فإن التزام المؤسسات المالية بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يعزز من سمعة النظام المالي السوري، ويفتح الباب أمام تحسين العلاقات مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية.
في النهاية، بيان مصرف سورية المركزي اليوم يمثل دعوة واضحة لكل مواطن ومقيم للتعامل بمسؤولية في القضايا المالية، والابتعاد عن القنوات غير الرسمية التي قد تبدو مغرية في البداية، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جسيمة.
المصرف أكد في ختام بيانه أن حماية حقوق المواطنين والحفاظ على استقرار السوق المالية هما أولوية قصوى، وأنه لن يتهاون في تطبيق القوانين بحق كل من يخالف التعليمات أو يمارس مهنة الصرافة دون ترخيص.