اللامركزية أم المركزية.. سوريا على مفترق طرق

كتب الصحفي رمضان بورصة، صحفي وباحث متخصّص في قضايا إيران والمجتمع الشيعي بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، في موقع الجزيرة مقالة بعنوان: “سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو”، تناول فيها أخطر التحديات التي تهدد وحدة الأراضي السورية في ظل التحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الأخيرة.

سوريا على مفترق طرق

وأكد بورصة أن التطورات التي أعقبت تغيير النظام في سوريا بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 أظهرت بوضوح أن البلاد تتجه نحو تبني نظام سياسي مركزي، بعد أن أفضى مؤتمر الحوار الوطني، بتوجيه من الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى قرار “اعتماد نظام حكم مركزي” كخيار لإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية. وعلى أساس هذا القرار، جرى إعداد “مسودة الدستور المؤقت” التي تبنّت هذا النهج، في ظل دعم سياسي معلن من دول إقليمية ودولية، مثل تركيا وقطر والولايات المتحدة الأميركية وعدة دول غربية.

وأشار الصحفي إلى أن هذا التوجه تعزّز داخليًا وخارجيًا بعد الأحداث الأمنية التي ضربت مدن الساحل السوري في مارس/آذار 2025، والتي دفعت إلى مزيد من التأييد لفكرة الحكم المركزي باعتباره وسيلة لإعادة فرض الاستقرار. غير أن المشهد تغيّر مع اندلاع أحداث السويداء، التي بدأت باحتكاكات بين الدروز والبدو العرب، ثم تصاعدت إلى أزمة معقدة بفعل التدخلات الإسرائيلية المباشرة، وهو ما أعاد فتح ملف شكل الدولة ومستقبل إدارتها.

الأحداث الأخيرة منحت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) دفعة قوية في ترويج مشروعها السياسي

وأوضح بورصة أن هذه الأحداث منحت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) دفعة قوية في ترويج مشروعها السياسي القائم على “نظام حكم لامركزي”، مقابل رؤية حكومة دمشق المركزية. بل إن هذه التطورات أوجدت تقاربًا نادرًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول مستقبل سوريا، رغم اختلاف مواقفهما في العديد من الملفات الأخرى. واعتبر أن الدعم الكبير الذي قدمته إسرائيل للدروز في أزمة السويداء، إضافة إلى انسحاب الحكومة السورية من المنطقة، رفع سقف المطالبات بالفيدرالية أو الحكم الذاتي في مناطق أخرى، بما في ذلك المناطق ذات الغالبية العلوية والمناطق الكردية.

تفاصيل مؤتمر الحسكة "كونفرانس"

وفي هذا الإطار، استعرض بورصة تفاصيل “مؤتمر الحسكة” الذي نظمته قوات سوريا الديمقراطية تحت مسمى “مؤتمر وحدة موقف مكونات شمال شرق سوريا”، بمشاركة أكثر من 400 شخصية بارزة، من بينهم الزعيم الدرزي حكمت الهجري المدعوم إسرائيليًا، ورئيس مجلس العلويين السوري الشيخ غزال غزال، بالإضافة إلى ممثلين عن عشائر عربية وتركمانية ونشطاء من مختلف المكونات. وأكد أن قسد أعدّت لهذا المؤتمر عبر أسابيع من اللقاءات المكثفة في محافظتي دير الزور والرقة، بهدف زيادة الدعم الشعبي لمشروع اللامركزية، وتوسيع دائرة التأييد له ليشمل كل المناطق السورية، وليس فقط مناطق نفوذها الحالية.

وبيّن أن المؤتمر حمل هدفًا واضحًا، يتمثل في حشد موقف موحّد يمكن استخدامه في المفاوضات مع دمشق، للتأكيد على أن اللامركزية هي “النظام الوحيد القادر على تلبية طموحات الشعب السوري”. كما أن إشراك شخصيات دينية بارزة من الدروز والعلويين، بحسب الصحفي، كان مقصودًا لإظهار أن هذا الطرح يحظى بقبول عابر للمناطق والطوائف.

ونقل بورصة تصريحات جيفان ملا إبراهيم، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، الذي أوضح أن الغاية هي “إيصال رسالة موحدة إلى الأطراف السورية والدولية بأن مكونات المنطقة لديها إرادة مشتركة لبناء دولة سورية تعددية ولا مركزية، تكفل المساواة في الحقوق والواجبات”. وأضاف أن قسد سعت خلال الأشهر الأخيرة إلى دفع بعض زعماء العشائر العربية في الرقة ودير الزور لتبنّي مشروع الإدارة الذاتية، حتى في حال تغير خارطة السيطرة العسكرية في المستقبل.

وأشار الكاتب إلى أن البيان الختامي للمؤتمر تضمّن إشادة واضحة بقوات سوريا الديمقراطية، واعتبارها “نواة لبناء جيش وطني جديد طوعي ومهني يمثل البنية المجتمعية الحقيقية لسوريا ويحمي حدودها ووحدتها”. كما دعا البيان إلى تحديد المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في اللاذقية والسويداء، بغض النظر عن هويتهم، في رسالة ضغط واضحة على حكومة دمشق.

وأضاف بورصة أن البيان أكد تمسك المشاركين بنموذج الإدارة الذاتية كصيغة للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، واصفًا إياه بأنه “تجربة تشاركية قابلة للتطوير”، وداعيًا إلى إعداد مسودة دستور على أساس اللامركزية، بدلًا من “مسودة الدستور المؤقت” التي طرحها الشرع، والتي اعتبرها المؤتمرون غير مستجيبة لمطالب السوريين في الحرية والكرامة.


وبحسب الصحفي، فإن هذا الموقف مثل تحديًا مباشرًا لحكومة دمشق، حيث أعلنت قسد والمشاركون رفضهم أي ترتيبات سياسية أو قانونية أقرّتها الحكومة منذ 8 ديسمبر/كانون الأول، وهو ما فتح بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل الدولة السورية، وزاد من الشكوك حول قدرة النظام المركزي على الصمود.

وتناول بورصة رد فعل دمشق، مشيرًا إلى أن المؤتمر وبيانه الختامي قوبلا بغضب رسمي، حيث اعتبرت الحكومة أن ما جرى يمثل انتهاكًا لاتفاق 10 مارس/آذار الموقع بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن مسؤول حكومي، لم يُذكر اسمه، أن المؤتمر “ضربة لجهود التفاوض المستمرة”، وأن دمشق “لن تتفاوض مع أي طرف يسعى لإعادة النظام المخلوع بأي شكل”، كما وصفت استضافة شخصيات متهمة بالانفصال بأنه “انتهاك واضح” للاتفاق.

ولفت الكاتب إلى أن المسؤول الحكومي اتهم المؤتمر بمحاولة جذب التدخلات الأجنبية وإعادة فرض العقوبات، محملًا قوات سوريا الديمقراطية المسؤولية عن تبعاته السياسية والقانونية، ومؤكدًا أن شكل الدولة سيُحسم عبر دستور دائم يقره الشعب باستفتاء عام. كما أشار إلى أن هذا الموقف ترافق مع إعلان دمشق عدم المشاركة في اجتماع كان مقررًا في فرنسا مع قسد، وهو قرار جاء بعد زيارة مفاجئة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق، حيث استمرت محادثاته مع الشرع ثلاث ساعات، تناولت ملفات المخيمات ومصير المفاوضات مع قسد والهجمات الإسرائيلية.

وفي ختام تحليله، تطرق بورصة إلى الجدل حول ملاءمة نظام اللامركزية لسوريا، موضحًا أن أنماط الحكم الناجحة في دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا يمكن استنساخها تلقائيًا في بيئة الشرق الأوسط، حيث يهدد الانقسام المجتمعي والظروف الأمنية غير المستقرة استمرارية الدولة. وأكد أن اللامركزية قد تكون خيارًا صالحًا في الدول المستقرة سياسيًا واقتصاديًا، لكن في الحالة السورية، يرى كثيرون أن النقاش حولها ينبغي أن يأتي بعد ترسيخ حكم مركزي قادر على ضمان الاستقرار، في حين يسعى بعض الأطراف الإقليمية والدولية لاستغلال ضعف الحكومة الجديدة لدفع البلاد بعيدًا عن هذا المسار.

وبذلك، يخلص الصحفي "رمضان بورصة"، إلى أن سوريا اليوم تقف على مفترق طرق خطير، بين مسار مركزي تدعمه الحكومة وعدة دول، ومسار لامركزي تتبناه "قسد" وتحاول إقناع طيف واسع من المكونات السورية به، وسط تدخلات إقليمية ودولية تزيد من تعقيد المشهد وتجعل وحدة الأراضي السورية على المحك.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-