زيادة ساعات الكهرباء في سوريا إلى عشر ساعات في جميع المحافظات وخطط لإنشاء شركات طاقة جديدة

تشهد سوريا خلال المرحلة الراهنة تحركات واسعة النطاق على مستوى قطاع الطاقة، مع الإعلان عن حزمة مشاريع وخطط استراتيجية تهدف إلى رفع مستوى إنتاج الكهرباء، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز استثمار الثروات المعدنية والنفطية. وفي تصريح مهم، كشف وزير الطاقة السوري "محمد البشير"، عن مجموعة مبادرات من شأنها إحداث نقلة نوعية في قطاع الطاقة السوري، في وقت تعاني فيه البلاد منذ سنوات من تحديات حادة في توفير الكهرباء والوقود بسبب الأوضاع الاقتصادية والحصار والعقوبات.

رفع ساعات التغذية الكهربائية إلى 10 ساعات يومياً

أهم ما جاء في تصريحات الوزير "محمد البشير"، هو الإعلان عن خطط لزيادة عدد ساعات تزويد الكهرباء في عموم البلاد، بحيث تصل إلى ما بين 8 و10 ساعات يومياً، وهو ما يمثل تحسناً ملحوظاً مقارنة بالواقع الحالي الذي يشهد انقطاعات طويلة. وأوضح البشير أن هذه الزيادة ستعتمد على خطط تشغيلية جديدة، إضافة إلى مصادر تمويل ودعم خارجي، ما سيمكن الوزارة من رفع الإنتاج الكهربائي وتوزيعه بشكل أكثر توازناً بين المحافظات.

هذا الإعلان يأتي في ظل موجة من التحديات التي واجهت القطاع خلال السنوات الماضية، إذ تسببت الحرب والأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية في تراجع الإنتاج بشكل كبير. ومع ذلك، فإن الحكومة السورية تسعى، من خلال هذه الخطوة، إلى استعادة جزء من القدرة الإنتاجية وتحسين الخدمة بما ينعكس مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين، وعلى القطاعات الاقتصادية والخدمية.

تأسيس شركات قابضة لإدارة الطاقة والتعدين

وأعلن وزير الطاقة أن الوزارة تدرس إنشاء شركة قابضة كبرى تتولى الإشراف الكامل على عمليات توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها، بما يتيح إدارة القطاع بأسلوب احترافي يجمع بين المرونة والكفاءة. وأكد الوزير أن هذه الخطوة ستسمح بإعادة تنظيم العمل في هذا المجال الحيوي، عبر دمج الجهود تحت مظلة واحدة تكون قادرة على التخطيط، التمويل، وتنفيذ المشاريع بكفاءة عالية.

إلى جانب ذلك، كشف البشير عن خطة أخرى لتأسيس شركة متخصصة بإدارة ملف التعدين والفوسفات، وهي موارد طبيعية تمتلك سوريا احتياطيات كبيرة منها، خاصة في منطقة تدمر وريف حمص الشرقي. ويأتي ذلك في إطار مساعي الدولة لزيادة عوائد هذه الموارد عبر تحسين عمليات الاستخراج والتسويق، وفتح الباب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية في هذا القطاع.

خطة تدريجية للتنفيذ مشاريع

أوضح وزير الطاقة أن تأسيس هذه الشركات القابضة لن يكون فورياً، بل سيتم بشكل تدريجي، حيث يتطلب الأمر إعداد بنية تنظيمية وإدارية متكاملة، إضافة إلى تأمين التمويل اللازم. وأكد أن الوزارة تعمل على دراسة هذه المشاريع بعناية لضمان نجاحها واستدامتها على المدى البعيد، مع مراعاة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد.

إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية

من الإنجازات التي أشار إليها البشير، إعادة تأهيل خط الغاز الذي يربط سوريا بتركيا، والذي تم إنجازه بزمن قياسي وبكوادر وطنية، ما يعكس قدرة الكفاءات المحلية على تنفيذ مشاريع معقدة رغم الظروف الصعبة. هذا الخط يمثل شرياناً حيوياً لنقل الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، وقد يشكل جزءاً من شبكة إمداد أوسع إذا ما تم التوصل إلى اتفاقات إقليمية جديدة في مجال الطاقة.

تعاون إقليمي في مجال النفط

وفي سياق تعزيز التعاون مع دول الجوار، أعلن وزير الطاقة عزمه زيارة العراق قريباً لبحث إعادة تأهيل خط النفط الذي يربط كركوك بميناء بانياس على الساحل السوري. هذا المشروع، في حال تنفيذه، سيعيد إحياء أحد أهم مسارات نقل النفط في المنطقة، والذي كان يمثل في السابق مصدر إمداد استراتيجي للمصافي السورية، كما يمكن أن يسهم في تأمين احتياجات البلاد من النفط الخام وتقليل الاعتماد على الاستيراد الباهظ التكلفة.

دعم دولي لإصلاح الشبكة الكهربائية

من التطورات الإيجابية التي كشف عنها الوزير حصول سوريا على منحة من البنك الدولي مخصصة لإصلاح الشبكة الكهربائية التي تربط البلاد بدول الجوار. ورغم العقوبات المفروضة، فإن هذا الدعم الدولي يعكس وجود رغبة في المجتمع الدولي للحفاظ على الحد الأدنى من استقرار الخدمات الأساسية، خصوصاً في قطاع الكهرباء الذي يؤثر على مختلف جوانب الحياة اليومية والاقتصادية.

نحو مصفاة نفط جديدة

وفي خطوة لزيادة القيمة المضافة من الموارد المحلية، أعلن البشير أن الوزارة تدرس إنشاء مصفاة نفط جديدة، بما يمكن سوريا من التحول إلى دولة مصدرة للمشتقات النفطية على المدى المتوسط.
ويُتوقع أن يساهم هذا المشروع، في حال اكتماله، في تعزيز الأمن الطاقي للبلاد، وزيادة عوائد الصادرات، وخلق فرص عمل جديدة.

الأبعاد الاقتصادية للمشاريع الجديدة

تمثل هذه الخطط حزمة متكاملة من المشاريع التي يمكن أن تغير المشهد الطاقي في سوريا خلال السنوات المقبلة. فزيادة ساعات الكهرباء ستنعكس على الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمات، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويخفف من الأعباء على المواطنين. كما أن استثمار الموارد الطبيعية، مثل الفوسفات والنفط، قد يوفر دخلاً إضافياً يمكن توجيهه لإعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية.

التحديات التي قد تواجه التنفيذ

رغم الطموحات الكبيرة، هناك تحديات واقعية قد تعيق سرعة تنفيذ هذه المشاريع، أبرزها التمويل، والعقوبات الاقتصادية، وصعوبة استقطاب الاستثمارات الخارجية في ظل الوضع السياسي الراهن. إضافة إلى ذلك، فإن إصلاح البنية التحتية المتضررة يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، خاصة مع الحاجة إلى قطع غيار وتجهيزات قد يصعب استيرادها.

التفاؤل الحذر

مع ذلك، يبدو أن وزارة الطاقة تراهن على مزيج من الجهود الوطنية والدعم الإقليمي والدولي لتحقيق أهدافها. فإعادة تأهيل خطوط الغاز والنفط، وتأسيس الشركات القابضة، والحصول على منح دولية، كلها مؤشرات على وجود إرادة جادة لتحريك عجلة قطاع الطاقة نحو التعافي.

المشهد الطاقي في سوريا مقبل على مرحلة جديدة قد تحمل في طياتها فرصاً وتحديات في آن واحد. وإذا ما نجحت الحكومة في تنفيذ هذه الخطط، فإن البلاد قد تشهد تحسناً ملموساً في مستوى الخدمات الأساسية، وتحقيق تقدم اقتصادي يخفف من أعباء السنوات العصيبة الماضية. ومع تضافر الجهود المحلية والدعم الخارجي، يمكن أن تشكل هذه المشاريع حجر الأساس لنهضة جديدة في قطاع الطاقة السوري، تفتح الباب أمام مرحلة من الاستقرار والنمو الاقتصادي في سوريا.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-