أكد الرئيس السوري أحمد الشرع في خطاب مطوّل أن “الحكاية السورية” تمثل صراعاً أزلياً بين الحق والباطل، وبين الألم والأمل، مشدداً على أن ما عاشه الشعب السوري طوال العقود الماضية هو تجربة إنسانية عظيمة تختلط فيها التضحيات بالثبات على القيم.
وقال الرئيس الشرع: “الحكاية السورية حكاية تهيج فيها المشاعر ويختلط فيها الألم بالأمل، حكاية صراع بين الخير والشر، وبين الحق الضعيف الذي ليس له ناصر إلا الله، والباطل القوي الذي يملك كل أدوات القتل والتدمير، حكايتنا عبرة من عبر التاريخ وتمثيل حقيقي للمعاني الإنسانية النبيلة”.
وأضاف أن هذا الصراع التاريخي أنتج فصلاً جديداً في سوريا “زاخراً بالمواجهة والإصرار والصبر والعذاب والتضحية والتمسك بالقيم النبيلة والإعداد الجاد والعمل الدؤوب ثم الاتكال على الله، كل ذلك أدوات تعين الحق على الباطل”.
واستعرض الشرع في خطابه واقع البلاد قبل سقوط النظام السابق قائلاً: “جئتكم من دمشق عاصمة التاريخ ومهد الحضارات، تلك البلاد الجميلة التي علّمت الدنيا معنى الحضارة وقيمة الإنسان والتعايش السلمي، غير أن سوريا منذ 60 عاماً وقعت تحت وطأة نظام ظالم غاشم يجهل قيمة الأرض التي حكمها ويقهر الشعب الودود المسالم”.
وأوضح أن الشعب السوري “صبر لسنين طويلة على الظلم والقهر والحرمان ثم ثار منادياً بحريته وكرامته، فقوبل بالقتل والتنكيل والحرق والاغتصاب والتهجير”، متهماً النظام السابق بارتكاب “أبشع أدوات التعذيب والقتل والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتهجير القسري وإشعال الفتن الطائفية والعرقية”.
وأشار إلى أن النظام السابق “مزق البلاد طولاً وعرضاً، وقتل نحو مليون إنسان، وهجّر نحو 14 مليون، ودمّر مليوني منزل، ونفّذ أكثر من 200 هجوم كيميائي موثق”، مؤكداً أنه بذلك أنهى أي أفق للحل السياسي.
وتحدث الرئيس الشرع عن المواجهة التي أسقطت النظام بقوله: “ما كان أمام الشعب إلا أن ينظم صفوفه وأن يستعد للمواجهة التاريخية الكبرى في عمل عسكري خاطف، مواجهة أسقطت منظومة إجرام استمرت لـ 60 عاماً، معركة لم تتسبب بتهجير إنسان ولا قتل مدني، توّجت بنصر لا ثأر فيه ولا عداوات”.
وأضاف: “لقد انتصرنا للمظلومين والمعذبين والمهجرين قسراً، لأمهات الشهداء والمفقودين، انتصرنا لكم جميعاً أيها العالم”، مشيراً إلى أن سوريا تحولت بهذا النصر من بلد يصدر الأزمات إلى “فرصة تاريخية لإحلال الاستقرار والسلام”.
وتابع الشرع أن الشعب السوري واجه محاولات لإعادة إنتاج الفتن ومشاريع التقسيم لكنه “امتلك من الوعي ما يمنع ذلك”، كاشفاً أن الدولة شكلت لجاناً وطنية لتقصي الحقائق وسمحت للأمم المتحدة بالتحقيق، متعهداً بمحاسبة كل من تورط بدماء الأبرياء.
وفيما يتعلق بالتهديدات الخارجية، قال: “التهديدات الإسرائيلية ضد بلادنا لم تهدأ منذ الثامن من ديسمبر، والسياسات الإسرائيلية تعمل بخلاف الموقف الدولي الداعم لسوريا في محاولة لاستغلال المرحلة الانتقالية”، مؤكداً أن سوريا تواجه هذه المخاطر بـ”الحوار والدبلوماسية والالتزام باتفاق فض الاشتباك لعام 1974”.
وعن سياسات الدولة بعد سقوط النظام، أوضح الرئيس الشرع: “منذ اللحظة الأولى وضعنا سياسة واضحة تقوم على الدبلوماسية المتوازنة والاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية. عملنا على ملء فراغ السلطة، دعونا إلى حوار وطني، أعلنا حكومة كفاءات، أسسنا هيئة وطنية للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، وحصرنا السلاح بيد الدولة”.
وأكد أن سوريا استعادت جزءاً كبيراً من علاقاتها الدولية، وعقدت شراكات إقليمية ودولية أدت إلى رفع معظم العقوبات تدريجياً، مطالباً برفعها كلياً. كما أشار إلى تعديل قوانين الاستثمار وبدء دخول كبرى الشركات إلى السوق السورية للمساهمة في إعادة الإعمار.
وختم الرئيس الشرع خطابه بالقول: “سوريا اليوم تبني دولة جديدة على أساس القانون والحرية والعدالة، تطوي صفحة الماضي البائس لتعيد مجدها وعزتها”، معلناً “انتصار الحق على الباطل” ومستشهداً بالآية القرآنية: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وتوجه بالشكر إلى كل الدول التي دعمت الشعب السوري، مخصصاً بالذكر تركيا وقطر والسعودية والدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما أعلن دعم سوريا للشعب الفلسطيني وخاصة في غزة، مؤكداً أن “الحكاية السورية لم تنتهِ بعد، فهي مستمرة في بناء فصل جديد عنوانه السلام والازدهار والتنمية”.