تُعد المقابر الجماعية في سوريا أحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للرأي العام بعد أكثر من عقد من الصراع، إذ تمثل هذه المواقع المظلمة شواهد دامغة على جرائم ممنهجة ارتُكبت بحق عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين. ورغم ثقلها الإنساني والقانوني، ما تزال هذه الأدلة عرضة للإهمال والطمس، في غياب أي خطة وطنية لحمايتها أو التعامل معها وفق معايير العدالة والشفافية.
حملة “احرسوا عظامنا” التي تتبناها منصة زمان الوصل جاءت لتلخص المطلب الملحّ بوقف التجاهل، وإطلاق مسار رسمي يحوّل هذه المقابر من أماكن مهملة إلى ملفات جنائية محمية، تُسهم في إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة.
الخطوات المطلوبة واضحة: إغلاق فوري للمواقع ومنع أي دخول غير مصرح به، استدعاء فرق تحقيق جنائية متخصصة، وتوثيق كل الأدلة وفق معايير دولية صارمة قبل الشروع برفع الرفات وتحليلها. هذه الإجراءات كفيلة بحفظ سلسلة الأدلة القانونية وضمان حقوق العائلات في معرفة مصير أحبائها.
وبعد انتهاء التحقيقات، تُطرح ضرورة إنشاء مقبرة وطنية خاصة بشهداء الثورة، تُدار رسمياً وتُوثّق بشكل كامل، بحيث يُدفن كل ضحية بما يليق بكرامته، مع سجل وطني يربط الأسماء بالقبور ويمنح ذويهم مكانًا للحزن والزيارة. بالتوازي، لا بد من إطلاق بنك وطني للـDNA يربط نتائج التحليل بملفات المفقودين، ما يتيح التعرف على الهويات وإغلاق ملفات الغياب القسري.
المقابر الجماعية ليست مجرد بقايا من الماضي، بل قضية حاضرة ترتبط بالعدالة الانتقالية والمحاسبة. تركها بلا حماية يفتح الباب للعبث أو محو الأدلة، وهو ما قد يُفسَّر كتواطؤ ضمني أو تبرئة غير مباشرة للجناة.
إن حماية الرفات، وصون الأدلة، وتأمين دفن لائق للضحايا، خطوات لا تُعتبر ترفاً إنسانياً، بل واجباً وطنياً عاجلاً يفرض نفسه اليوم قبل الغد.