أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

تراشق حاد في البرلمان التركي بين النواب القوميين والأكراد على خلفية تصريحات لأوجلان حول عملية السلام

شهد البرلمان التركي جلسة مشحونة بالتوتر والمواجهات الكلامية بين النواب القوميين والأكراد، عقب تصريحات منسوبة لزعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان، انتقد فيها وسائل الإعلام بسبب طريقة تناولها لمسار عملية السلام الداخلي، التي دعا خلالها إلى حلّ الحزب ونزع سلاحه.

وجاء الجدل بينما تواصل لجنة “التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية”، التي شكّلها البرلمان التركي لوضع الأساس القانوني لإنهاء الصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني، اجتماعاتها بشكل متواصل منذ مطلع أغسطس/آب الماضي، في إطار مساعٍ جديدة لطيّ صفحة الصراع الذي استمر لعقود.

وخلال الجلسة المسائية التي امتدت من ليل الثلاثاء حتى فجر الأربعاء، اندلع سجال حاد بين نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “الجيد”، تورهان تشوميز، ونائبة رئيس البرلمان عن حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” بروين بولدان، التي تُعد من أبرز القيادات السياسية الكردية.

تشوميز وجّه انتقادات لاذعة لبولدان قائلاً: “أنتِ تجلسين الآن على المقعد الذي جلس عليه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس جمهوريتنا، لكننا نعلم أنكم في الوقت ذاته تمثلون شخصاً وصفه الجميع بالإرهابي الحقير، تسبب في مقتل 50 ألفاً من أبناء هذا الوطن من جنود ومعلمين وشرطيين ومدنيين”.

وأضاف النائب القومي: “ما تفعلونه خيانة واضحة، ولن نقبل بوجود من يدافع عن قاتل وطننا داخل هذه القاعة”.

ردّت بولدان بغضب قائلة: “لن أسمح بإهانة هذه المنصة. نحن هنا من أجل الديمقراطية والسلام ومنع موت أطفالنا، ومن أجل بناء مستقبلٍ خالٍ من الكراهية والحروب. كلماتكم لا تؤثر فينا، وسنواصل عملنا مهما اشتدت الهجمات”.

وفي تصريحات لاحقة أدلت بها بولدان عقب زيارتها لأوجلان ضمن وفد حزبها المعروف باسم “وفد إيمرالي”، أكدت أن زعيم حزب العمال الكردستاني وجّه انتقادات حادة لوسائل الإعلام التركية، قائلاً إن “الخطاب الإعلامي ما زال أسير عقلية الماضي العدائية”، مطالباً الحكومة بـ”تغيير هذا النهج إذا كانت جادة في تحقيق السلام الداخلي”.

بولدان أضافت أن أوجلان يعتبر أن “الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن خلق بيئة سياسية وإعلامية مناسبة للحوار”، مؤكدة أن التهدئة تتطلب “إرادة سياسية حقيقية تضع حداً لشيطنة الآخر وتمنح الأمل للجيل الجديد”.

لكن الهجوم على حزبها لم يتوقف عند حدود الجلسة البرلمانية، إذ وجّه رئيس حزب “الجيد”، موساوات درويش أوغلو، خلال اجتماع حزبه، اتهامات مباشرة لحزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب”، واصفاً إياه بأنه “الامتداد السياسي لحزب العمال الكردستاني”.

وقال درويش أوغلو: “يتحدثون في البرلمان باسم الديمقراطية، لكنهم يمجدون قاتلاً دمّر البلاد، ويعتبرونه قائداً مؤسساً. قادتهم غارقون في الجريمة، وأيديهم ملوثة بالدم، وكلماتهم ليست سوى غطاء للخيانة”.

في المقابل، ردّت المتحدثة باسم حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب”، عائشة غل دوغان، عبر منصة “إكس”، قائلة: “أنتم تجار الحرب، تقتاتون على الدم والموت، وتظنون أن العنف طريقٌ إلى الوطنية. أنتم تخافون لأنكم تدركون أن السلام ممكن، وكلما ازداد خوفكم ازدادت كراهيتكم وسقطت أقنعتكم. نحن سنواصل النضال من أجل الأخوة والديمقراطية في هذا البلد رغم أنفكم”.

كما دخلت شركة “آسرين” للمحاماة، التي تمثل أوجلان قانونياً، على خط الأزمة، وأصدرت بياناً شديد اللهجة وصفت فيه تصريحات النائب تورهان تشوميز بأنها “استفزازية وبذيئة”، مؤكدة أنه “يحاول استغلال الكراهية لأغراض شخصية وانتخابية ضيقة، على حساب عملية السلام التي تمثل أمل الملايين في تركيا”.

اللجنة البرلمانية المعنية بـ”التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية” واصلت اجتماعاتها رغم التوتر، حيث عقدت جلستها الـ15 يوم الأربعاء، واستضافت خلالها ممثلين عن منظمات الشباب والمرأة للاستماع إلى آرائهم حول سبل تحقيق المصالحة الوطنية.

واعرب مراقبون بأن ما يجري تحت قبة البرلمان يعكس حجم الانقسام العميق داخل المجتمع التركي بشأن “المسألة الكردية”، التي لا تزال من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في البلاد.

ففي الوقت الذي يطالب فيه الأكراد بمزيد من الحقوق الثقافية والسياسية، يتمسك القوميون برفض أي تقارب مع حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنظيماً إرهابياً.

ويؤكد محللون أن تصريحات أوجلان الأخيرة أعادت خلط الأوراق داخل الأوساط السياسية التركية، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات المحلية المقبلة، حيث يسعى كل حزب إلى تعزيز موقعه من خلال اللعب على وتر القضايا القومية والهوية.

وبينما يراها البعض “فرصة نادرة لإحياء مسار السلام الذي توقف منذ عام 2015”، يعتبرها آخرون محاولة لإعادة تلميع صورة حزب العمال الكردستاني عبر خطابٍ ناعمٍ يتحدث عن “الأخوة الوطنية”، دون تقديم أي ضمانات لوقف العنف بشكل نهائي.

ويبقى التساؤل الأبرز: هل يملك البرلمان التركي الإرادة السياسية الكافية لإعادة إطلاق عملية سلام حقيقية في ظل تصاعد الانقسامات الداخلية؟ أم أن التجاذبات القومية ستُبقي الملف الكردي مجمّداً إلى أجل غير مسمى.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-