في تصريح جديد يعكس وضوح الموقف التركي تجاه الملف السوري، جدّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان دعم بلاده الكامل لوحدة الأراضي السورية وتعزيز أمنها واستقرارها، مؤكدًا أن تركيا ترى في استقرار سوريا عاملًا أساسيًا لأمن المنطقة بأسرها.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره الألماني يوهان فاديفول في العاصمة أنقرة، شدّد فيدان – بحسب ما نقلته وكالة الأناضول – على أن بلاده تعتبر من الضروري دعم الحكومة السورية في توحيد الأراضي السورية وفرض سيادتها على جميع مناطق البلاد، ولا سيما في شمال شرق سوريا، الذي يضم مناطق غنية بالموارد الطبيعية.
وأشار الوزير التركي إلى أن أنقرة تتابع عن كثب المباحثات الجارية بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” بشأن عملية اندماج الأخيرة في صفوف الجيش السوري، معربًا عن أمل بلاده في أن تسفر تلك المفاوضات عن نتائج إيجابية تُسهم في تعزيز الأمن الداخلي السوري وتلبية تطلعات الشعب نحو الاستقرار والتنمية الاقتصادية.
وأضاف فيدان أن تركيا تعتبر أي خطوة باتجاه توحيد البنية العسكرية السورية ضمن إطار وطني جامع خطوةً مهمة على طريق إعادة بناء مؤسسات الدولة، مؤكداً أن بلاده مستعدة لدعم أي جهود تصب في هذا الاتجاه وتخدم مصالح الشعب السوري ووحدة أراضيه.
وفي جانب آخر من المؤتمر، جدّد وزير الخارجية التركي موقف بلاده الثابت تجاه القضية الفلسطينية، معلنًا أن أنقرة ماضية في دعم الشعب الفلسطيني وفي السعي لتحقيق حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط. وأكد أن تركيا على استعداد تام للمشاركة في أي آلية دولية تهدف إلى تثبيت الاستقرار في قطاع غزة وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة.
وأوضح فيدان أن الدعم التركي لغزة لن يكون مجرد استجابة إنسانية مؤقتة، بل جهدًا طويل الأمد ومنظمًا يشمل مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية والخدمات الأساسية، مشيرًا إلى أن أنقرة بدأت بالفعل بالتنسيق مع عدد من الشركاء الدوليين لتقديم المساعدات بشكل مستدام.
من جانبه، وصف وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول الوضع في قطاع غزة بأنه “كارثي”، مؤكدًا أن بلاده اتخذت خطوات عملية لخفض شحنات الأسلحة إلى إسرائيل التزامًا بالقانون الدولي الإنساني. وأشار إلى أن ألمانيا ستواصل الوفاء بالتزاماتها تجاه حماية المدنيين الفلسطينيين وتقديم الدعم الإنساني اللازم لهم.
ويأتي هذا اللقاء بين وزيري الخارجية التركي والألماني بعد أيام من قمة شرم الشيخ الدولية للسلام التي استضافتها مصر، بمشاركة ممثلين عن أكثر من 31 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، حيث جرى خلالها توقيع وثيقة وقف إطلاق النار في غزة، وطرح مبادرات لإطلاق مسار سياسي جديد يهدف إلى تحقيق تسوية شاملة في المنطقة.
ويُنظر إلى تصريحات فيدان الأخيرة على أنها إشارة واضحة إلى تبدّل تدريجي في المقاربة التركية للملف السوري، من زاوية أمنية بحتة إلى رؤية سياسية أوسع تركز على دعم الحلول الوطنية ودمج القوى المحلية ضمن مؤسسات الدولة. ويرى مراقبون أن هذا التوجه يتقاطع مع المساعي الروسية والإيرانية الداعمة لعودة مؤسسات الدولة السورية إلى كامل الجغرافيا، في وقت تبدي فيه أنقرة حرصًا متزايدًا على الاستقرار على حدودها الجنوبية بعد سنوات من التوترات والصراعات المعقدة في الشمال السوري.
وفي المقابل، رحّبت بعض الأوساط السياسية في دمشق بالتصريحات التركية الجديدة، معتبرة أنها تعكس تحولًا تدريجيًا في الخطاب التركي نحو الواقعية السياسية وإدراك أن استقرار سوريا يصب في مصلحة الأمن الإقليمي.
كما يرى محللون أن متابعة تركيا لملف اندماج “قسد” في الجيش السوري تحمل دلالات مهمة، إذ تُظهر أن أنقرة باتت تفضّل الحلول السياسية المتفق عليها بين السوريين أنفسهم، بدلاً من استمرار المواجهات المسلحة التي أنهكت جميع الأطراف وأعاقت مشاريع التنمية في المنطقة.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه المنطقة حراكًا دبلوماسيًا متسارعًا باتجاه التهدئة وإعادة بناء العلاقات بين دول الجوار، بما في ذلك المسار السوري التركي الذي لا يزال في بداياته، وسط توقعات بأن تشكل الأشهر المقبلة مرحلة اختبار حقيقية لجدية الطرفين في المضي نحو مصالحة شاملة.