لا شك أن الكثير من السوريين يحلمون بأن تصبح دولتهم في مصاف الدول المتقدمة، بل وأن تتفوق على دول الخليج في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياحة والتنمية المستدامة، وهذا الحلم ليس مستحيلاً، بل يمكن تحقيقه إذا توفرت الإرادة الصادقة والإدارة الحكيمة التي تخاف الله وتتقيه في العباد، وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. فسوريا تمتلك من المؤهلات الطبيعية والبشرية ما يجعلها قادرة على أن تكون واحدة من أغنى وأقوى دول العالم.
سوريا ليست دولة فقيرة من حيث الموارد، بل هي دولة غنية بالغوص في أعماق الجغرافيا والتاريخ، وغنية بالبترول والغاز الطبيعي والثروات المعدنية، وغنية بصناعات متطورة في مجالات النسيج والمواد الغذائية والدوائية والهندسية، كما تملك واحدة من أهم السلاسل الزراعية في المنطقة، مع توفر أراضٍ خصبة ومياه وفيرة ومناخ متنوع يسمح بزراعة كافة أنواع المحاصيل، من القمح إلى الزيتون والحمضيات. إلى جانب ذلك، هناك ثروة حيوانية ضخمة يمكن أن تدعم الصناعات الغذائية والجلدية وتشكل رافداً اقتصادياً مهماً إذا ما أُديرت بطريقة علمية مدروسة.
في عام 2010، بلغ عدد السياح الذين زاروا سوريا أكثر من 8.5 مليون سائح، وهو رقم مذهل بالنظر إلى أن البنية التحتية السياحية آنذاك لم تكن بالمستوى المتطور الذي وصلت إليه بعض الدول الخليجية. في المقابل، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة – التي تُعتبر اليوم من أكثر الدول استقبالاً للسياح في المنطقة – قد استقطبت في العام نفسه نحو 13.5 مليون سائح، وهو رقم أكبر، لكنه ليس بعيداً عن الرقم السوري إذا ما وُضع في الاعتبار الفرق في الإمكانات والاستثمارات والموارد الإعلامية والترويجية.
بمعنى آخر، سوريا كانت قبل الحرب قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح وجهة سياحية عالمية تضاهي دبي أو الدوحة أو الرياض، فمدنها التاريخية مثل دمشق وحلب وبصرى وتدمر وقلعة الحصن ليست أقل قيمة من المعالم العالمية الشهيرة، بل تفوقها من حيث العمق الحضاري والجاذبية الثقافية، ولو تم الاستثمار في هذا القطاع بالشكل الصحيح لما كانت السياحة فقط مورداً اقتصادياً موازياً للبترول في بعض الدول الخليجية، بل ربما تجاوزته.
أما من الناحية الجغرافية، فموقع سوريا الإستراتيجي الذي يربط أوروبا بآسيا عبر تركيا ولبنان والعراق، ويوصل البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي عبر الخطوط البرية، يمنحها أهمية اقتصادية وتجارية لا تقدّر بثمن. هذا الموقع وحده كفيل بجعل سوريا مركزاً لوجستياً عالمياً يربط بين قارات العالم، إذا ما استثمر في تطوير الموانئ، والطرق البرية، والسكك الحديدية، والخدمات الجمركية.
لكن يبقى السؤال المحوري: ما الذي يمنع سوريا من أن تصبح مثل دول الخليج، أو حتى أكثر تطوراً وغنى منها؟
الجواب ببساطة هو الإدارة. إن إدارة البلاد على أسس من النزاهة والكفاءة والعلم والرؤية بعيدة المدى هي مفتاح التقدم، والفرق بين سوريا ودول الخليج ليس في الموارد، بل في من يُدير الموارد. دول الخليج تمكنت من بناء دول حديثة قوية لأنها اختارت أن تستثمر ثرواتها في بناء الإنسان والبنية التحتية والمؤسسات، بينما عانت سوريا لعقود من الفساد وسوء الإدارة وتضييع الموارد في مشاريع وهمية أو في النزاعات الأمنية والسياسية.
ولو أن سوريا تُدار اليوم من قبل حكومة وطنية ذات كفاءة عالية، مكوّنة من أشخاص يخافون الله ويتقون في عباد الله، ويملكون رؤية اقتصادية وتنموية واضحة، لاستطاعت البلاد أن تنهض في زمن قياسي. سوريا لا تحتاج إلى معجزات، بل إلى قرارات شجاعة، وإلى إدارة اقتصادية دقيقة تحارب الفساد، وتفتح المجال للاستثمار المحلي والخارجي، وتعيد بناء البنية التحتية المدمرة وفقاً لمعايير عالمية.
إن وجود إدارة مؤمنة بحق الشعب في حياة كريمة، تدعم التعليم وتطوّر البحث العلمي، وتُعطي الشباب فرصة ليكونوا رواد المستقبل، كفيل بأن يحول سوريا إلى دولة حديثة تفخر بها الأجيال. ويجب أن يكون هناك اعتماد على الكفاءات السورية المنتشرة حول العالم، من أطباء ومهندسين وعلماء واقتصاديين، فهؤلاء هم الثروة الحقيقية لسوريا الجديدة.
بناء سوريا أكثر تطوراً من دول الخليج ليس حلماً طوباوياً، بل هدف يمكن تحقيقه إذا وُضعت مصلحة البلاد فوق المصالح الشخصية والولاءات الضيقة، وإذا تحوّل النظام الإداري في الدولة إلى نظام مؤسسات لا نظام أفراد. وبدلاً من أن تبقى سوريا ساحة للصراعات، يمكن أن تتحول إلى مركز للحوار الإقليمي والتنمية المشتركة، وتعيد لنفسها دورها التاريخي في الربط بين الحضارات وبناء مستقبل أفضل للأمة العربية كلها.
إن هذا الطريق يبدأ من الاعتراف بأن التحديات كبيرة، لكن الطموح أكبر، والإمكانات موجودة، وما ينقصنا فقط هو القرار السياسي الصادق والإرادة الوطنية الجامعة. وعندها فقط، يمكن أن تكون سوريا أغنى من دول الخليج، وأكثر استقراراً، وأكثر تقدماً، لأنها تملك كل المفاتيح، وتحتاج فقط إلى من يفتح بها أبواب المستقبل.