بيان ميليشيات قسد وحدة سوريا خط أحمر والمركزية مرفوضة

أصدرت ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” بياناً جديداً حمل عبارات واضحة وصريحة حول رؤيتها السياسية لمستقبل البلاد، مؤكدة أن وحدة الأراضي السورية تمثل مبدأً أساسياً لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف، رافضة في الوقت ذاته اتهامها بالسعي إلى الانفصال أو تقسيم البلاد، ومشددة على أن مطالبها تستند إلى مبادئ العدالة والديمقراطية التي نادى بها السوريون منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2011.

البيان الذي جاء في توقيت حساس سياسياً، بعد سلسلة من التصريحات الرسمية المتبادلة بين الحكومة السورية وبعض القوى السياسية في مناطق الإدارة الذاتية، أكد أن المساعي التي تبذلها “قسد” لا تستهدف بأي شكل من الأشكال وحدة سوريا، بل تطالب بدولة لا مركزية تحفظ الحقوق وتضمن العدالة لجميع المواطنين السوريين، بعيداً عن النمط المركزي الذي ساد لعقود طويلة. ووصفت “قسد” هذا النموذج اللا مركزي بأنه الضمان الوحيد لإعادة بناء الدولة على أسس تشاركية وديمقراطية.

وفي سياق ردها على الاتهامات الموجهة إليها من أطراف رسمية وإعلامية، اعتبرت “قسد” أن وصف مطالبها بالانفصالية لا يعكس الحقيقة، بل يهدف إلى شيطنة مشروعها السياسي والاجتماعي في شمال وشرق سوريا، مشيرة إلى أن تمسكها بخيار اللامركزية لا يعني تفتيت الدولة، وإنما هو تعبير عن سعيها لبناء نظام يعبّر عن التنوع السوري ويحمي حقوق المكونات كافة. وأضافت أن كل القوى التي خرجت في عام 2011 كانت تطالب بالديمقراطية والمواطنة والعدالة، وهي نفسها القيم التي تستند إليها الإدارة الذاتية في رؤيتها المستقبلية لسوريا.

البيان شدد على أن “قسد” لم تكن يوماً في موقع من يهدد وحدة الأراضي السورية، وأنها قدمت تضحيات كبرى في مواجهة الإرهاب، وعلى رأسه تنظيم الدولة، وهو ما جعلها شريكاً أساسياً في التحالف الدولي ضمن الحرب ضد الإرهاب. ورغم ذلك، أبدت قسد استياءها مما وصفته بمحاولات مستمرة لتشويه صورتها واتهامها بالعمل على مشاريع خارجية لا تمثل الإرادة الوطنية السورية، معتبرة أن تلك الاتهامات لا تخدم مسار الحل السياسي، بل تعمق حالة الانقسام القائمة.

وحول العلاقة مع الحكومة السورية في دمشق، أوضح البيان أن “قسد” لا تسعى إلى الصدام، لكنها في الوقت ذاته ترفض العودة إلى النموذج الأمني المركزي الذي تسبب في انفجار البلاد. وشددت على ضرورة أن يكون أي حل سياسي مستقبلي قائماً على الاعتراف بحقوق المكونات السورية كافة، وضمان مشاركتها الحقيقية في صنع القرار ضمن إطار دستوري واضح المعالم. كما أكدت أن اللامركزية ليست مجرد شعار سياسي، بل ضرورة تفرضها الوقائع الجغرافية والاجتماعية في البلاد.

وفي إشارة إلى أهمية الحوار، دعت “قسد” مجدداً إلى فتح قنوات جدية مع جميع القوى الوطنية من أجل التوصل إلى تفاهم شامل يفضي إلى إنهاء حالة الحرب والانقسام، ويضع أسساً واضحة لبناء دولة ديمقراطية تعددية، يعيش فيها الجميع بكرامة وأمان. واعتبرت أن تجاهل هذه المطالب يعرقل الحل ويعيد إنتاج أسباب الأزمة، مطالبة الأطراف الدولية والإقليمية بدعم المسار السياسي القائم على الاعتراف بالحقوق المشروعة لجميع السوريين.

البيان الذي وُزِّع على وسائل إعلام مختلفة، تزامن مع تحركات ميدانية في بعض مناطق شمال شرق سوريا، وسط تقارير عن تصاعد التوترات بين قوات تابعة للحكومة السورية وبعض المجموعات المرتبطة بـ “قسد”، وهو ما يعيد إلى الواجهة الأسئلة حول إمكانية التوصل إلى توافق سياسي يضع حداً لسنوات طويلة من الجمود والتجاذب. ورغم محاولات نفي النية الانفصالية، إلا أن المواقف المتباينة بين الأطراف السورية لا تزال تعرقل تشكيل رؤية موحدة لمستقبل الدولة، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية للحوار الشامل.

يُذكر أن قضية اللامركزية تُعد من أكثر النقاط جدلاً في المفاوضات بين الأطراف السورية، إذ ترى فيها الإدارة الذاتية وسيلة للتمكين المجتمعي وضمان الحريات، بينما ينظر إليها النظام المركزي كخطر على وحدة البلاد. وبين هذين الموقفين، يبقى مستقبل الحل السياسي في سوريا معلَّقاً على قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات والتأسيس لمسار حوار وطني جامع يعيد بناء ما تهدّم، ويعيد ثقة المواطن السوري بوطنه ومؤسساته.
تعليقات